تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

من عجيب أمر القرآن أنه لا تنقضي عجائبه ولا يخلق على كثرة الرد .. وهو كما قال الله عنه:" وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِين " .. وعلم التفسير بحر خضم تتلاطم أمواجه على شواطئ ما بين معتدلة وشاذة .. وقد قيمه الإمام أحمد بن حنبل ضمن ثلاثة كتب قال عنها ليس لها أصل وهي: التفسير والمغازي والملاحم ..

وقد أدخل كثير من القصاص والوعاظ حكايات مكذوبة وباطلة في التفسير وفي مغازي رسول الله r وتاريخ أصحابه الكرام وكذلك في الفتن التي جرت بينهم وفي أخبار الساعة والقيامة وما يكون من الغيوب ..

ومن هذه المسائل التي ذكرها أهل التفسير مسألة المقام المحمود الذي أعطيه رسول الله r وذلك في قوله تعالى من سورة الإسراء:

) وَمِنَ ?لْلَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَّكَ عَسَى? أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَاماً مَّحْمُوداً)

قال شيخ المفسرين الإمام الطبري:

وتأويل الكلام، أقم الصلاة المفروضة يا محمد في هذه الأوقات التي أمرتك بإقامتها فيها، ومن الليل فتهجد فرضا فرضته عليك، لعلّ ربك أن يبعثك يوم القيامة مقاما تقوم فيه محمودا تحمده، وتغبط فيه .. اهـ

والاختلاف في هذه الآية في معنى المقام المحمود المذكور .. وفيه أقوال:

الأول: أنه الشفاعة العظمى لنبينا r يوم القيامة وهي أنواع معروفة.

الثاني: إعطاؤه لواء الحمد يوم القيامة.

الثالث: إعطاءه حوض الكوثر فيسقي تابعيه.

الرابع: أنه يأخذ بحلقة باب الجنة عند شفاعته.

الخامس: أنه يكون على تل هو وأمته ويكسى حلة خضراء.

السادس: أنه يكون يوم القيامة بين الجبار جل جلاله وبين جبريل عليه السلام.

السابع: أنه يجلس على عرش الرحمن.

وهذه الأقوال كلها راجعة إلى شفاعته في الموقف بين يدي الله عز وجل .. إلا القول الأخير الذي يقول أنه يجلس على عرش الرحمن .. وهو منقول التابعي الجليل مجاهد بن جبر .. وتابعه على هذا القول كثير من العلماء أشهرهم إسحاق بن راهويه وعبد الله بن الإمام أحمد والمروزي وبشر الحافي وأبو عبيد القاسم بن سلام والإمام أبو داود صاحب السنن وبالغ حتى قال: من أنكر هذا فهو متهم.

وهو مذهب الإمام الدارقطني وبالغ أيضاً حتى قال فيه:

حديث الشفاعة عن أحمد إلى أحمد المصطفي مسنده

وجاء الحديث بإقعاده على عرشه فلا تجحده

أمروا الحديث على وجهه ولا تدخلوا فيه ما يفسده

ولا تنكروا أنه قاعد ولا تجحدوا أنه يقعده.

والغريب أن الإمام ابن القيم- وهو العلم الحجة- ذكر هذه المسألة في كتابه بدائع الفوائد وذكر وآراء من قال بها ونسبها لابن جرير الطبري في تفسيره وهو منها براء كما سيأتي .. وذكر أقوال العلماء وأبيات الدارقطني ولم يدفعها بشيء يذكر، كأنه مقر بها .. ومعلوم ما في هذا الرأي من الغلو الباطل والشطط عن الحق والبعد عن الصواب .. ولكي أرى خطأ هذا القول، كان لابد لي من دراسته دراسة متأنية .. وخلاصة ما يدفع به هذا القول الشاذ أمور:

أولاً: أن هذا الأثر الوارد عن مجاهد ضعيف ليس بحجة، وعلة ضعفه أنه مقطوع ليس بموصول، والمقطوع مردود كما حققه الإمام الذهبي وضعفه الإمام الألباني في مختصر العلو وقال الذي صح عنه موافق لرأى السلف في الآية وراجع السلسة الضعيفة (2/ 255).

ثانياً: أنه صح عن مجاهد نفسه غير ذلك من طريق صحيح رواه الطبري عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قول الله تعالى: مَقاما مَحْمُودا قال: شفاعة محمد يوم القيامة.

ثالثاً: أن القول بالجلوس على العرش، اجتهاد من مجاهد وهو أحد التابعين .. وحديث التابعي المرفوع ليس بحجة وهو في حكم المرسل وهو عند العلماء ضعيف، وهذا إذا حدث عن الأحداث النبوية أو أحاديث الرسول، فما بالك إذا تكلم في أمر من الأمور الغيبية .. وقد اشتهر مجاهد برواية المنكرات والشواذ والمبهمات والإسرائيليات .. وأذكر منها على سبيل الإجمال التعريف به وبأهم انفراداته وشذوذه في التفسير:

هو مجاهد بن جبر المكي الأسود أبو الحجاج مولى السائب بن السائب المخزومي روى عن ابن عباس وأخذ عنه القرآن والتفسير وروى عن أبى هريرة وعائشة وسعد بن أبى وقاص وعبد الله بن عمر وعبد الله ابن عمرو ورافع بن خديج وغيرهم ..

- روى له الإمام الطبري في تفسيره 3343 قولاً بدون تكرار.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير