قال القرطبي في «تفسيره» (10/ 276) عن كلام الطبري هذا: "شطط من القول، وهو لا يخرج إلا على تلطف في المعنى، وفيه بُعد".
وقال أبو بكر الخلال رحمه الله في «السنة»: (244) وأخبرنا أبو داود السجستاني قال: ثنا إبراهيم بن موسى الرازي قال: ثنا محمد بن فضيل عن ليث عن مجاهد في قوله: "عَسَى أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَاماً مَّحْمُوداً قال: يجلسه على عرشه!!
وسمعت أبا داود يقول: "من أنكر هذا فهو عندنا متهم! ".
وقال: "ما زال الناس يحدثون بهذا يريدون مغايظة الجهمية وذلك أن الجهمية".
قال محقق الكتاب الدكتور عطية الزهراني: "إسناد قول ابي داود صحيح".
وقال ابن القيم «بدائع الفوائد» (4/ 841):قال القاضي: صنف المروزي كتاباً في فضيلة النبي وذكر فيه إقعاده على العرش. قال القاضي: وهو قول ابي داود، وأحمد بن أصرم، ويحيى بن ابي طالب، وأبى بكر بن حماد، وأبى جعفر الدمشقي، وعياش الدوري، وإسحاق بن راهوية، وعبد الوهاب الوراق، وإبراهيم الأصبهانى، وإبراهيم الحربي، وهارون بن معروف، ومحمد بن إسماعيل السلمي، ومحمد بن مصعب بن العابد، وأبي بن صدقة، ومحمد بن بشر بن شريك، وأبى قلابة، وعلي بن سهل، وابى عبد الله بن عبد النور، وأبي عبيد، والحسن بن فضل، وهارون بن العباس الهاشمي، وإسماعيل بن إبراهيم الهاشمي، ومحمد بن عمران الفارسي الزاهد، ومحمد بن يونس البصري، وعبد الله ابن الإمام، والمروزي، وبشر الحافي!!. انتهى
قلت -ابن القيم-: وهو قول ابن جرير الطبري [فيه نظر، وقد سبق ذكر كلام ابن جرير] وإمام هؤلاء كلهم مجاهد إمام التفسير وهو قول أبي الحسن الدارقطني! ومن شعره فيه:
حديث الشفاعة عن أحمد
إلى أحمد المصطفى مسنده
وجاء حديث بإقعاده
على العرش أيضا فلا نجحده
أمروا الحديث على وجهه
ولا تدخلوا فيه ما يفسده
ولا تنكروا أنه قاعده
ولا تنكروا أنه يقعده".
[وقد أبطل نسبة هذه الأبيات للدارقطني الألباني وغيره].
وقال الذهبي:" فممن قال إن خبر مجاهد يسلم له ولا يعارض عباس بن محمد الدوري الحافظ ويحيى بن أبي طالب المحدث ومحمد بن إسماعيل السلمي الترمذي الحافظ وأبو جعفر محمد بن عبد الملك الدقيقي وأبو داود سليمان بن الأشعث السجستاني صاحب السنن وإمام وقته إبراهيم بن إسحاق الحربي والحافظ أبو قلابة عبد الملك بن محمد الرقاشي وحمدان بن علي الوراق الحافظ وخلق سواهم من علماء السنة ممن أعرفهم وممن لا أعرفهم ولكن ثبت في الصحاح أن المقام المحمود هو الشفاعة العامة الخاصة بنبينا".
وهذا طرف مما ورد في كتاب «المقام المحمود» لأبي بكر المروذي ونقله عنه الخلال:
قال الخلال: "قرأ علينا أبو بكر المروذي كتاب المقام المحمود مرة واحدة في مسجد الجامع فلم أنطر في الكتاب ولم آخذه وخرجت إلى كرمان فرجعت وقد مات المروذي رحمه الله.
وأخبرني محمد بن عبدوس والحسن بن صالح وبعضهما أتم من بعض قالا: ثنا أبو بكر المروذي قال: قال أبوبكر بن حماد المقري من ذكرت عنده هذه الأحاديث فسكت فهو متهم على الإسلام، فكيف من طعن فيها!.
وقال أبو جعفر الدقيقي: من ردها فهو عندنا جهمي! وحكم من رد هذا أن يُتَّقا!.
وقال عباس الدوري: لا يرد هذا إلا متهم!.
وقال إسحاق بن راهويه: الإيمان بهذا الحديث والتسليم له!.
وقال إسحاق لأبي علي القوهستاني: من رد هذا الحديث فهو جهمي!.
وقال عبدالوهاب الوراق للذي رد فضيلة النبي يقعده على العرش: فهو متهم على الإسلام!.
وقال إبراهيم الأصبهاني: يقعده على العرش، فهو متهم على الاسلام!.
وقال إبراهيم الأصبهاني: هذا الحديث حدث به العلماء منذ ستين ومائة سنة، ولا يرده إلا أهل البدع!.
قال: وسألت حمدان بن علي عن هذا الحديث فقال: كتبته منذ خمسين سنة وما رأيت أحداً يرده إلا أهل البدع!.
وقال إبراهيم الحربي: حدثنا هارون بن معروف: وما ينكر هذا إلا أهل البدع!.
قال هارون بن معروف: هذا حديث يسخن الله به أعين الزنادقة!.
قال: وسمعت محمد بن إسماعيل السلمي يقول: من توهم أن محمداً لم يستوجب من الله عز وجل ما قال مجاهد فهو كافر بالله العظيم!.
قال: وسمعت أبا عبدالله الخفاف يقول: سمعت محمد بن مصعب يعني العابد يقول: نعم يقعده على العرش ليرى الخلائق منزلته! ". ...
وقال الذهبي في «العلو» ص171: "وكذلك رد شيخ الشافعية ابن سريج عمن أنكره".
وقال الفقيه أبا بكر أحمد بن سليمان النجاد المحدث فيما نقله عنه القاضي أبو يعلى الفراء: "لو أن حالفاً حلف بالطلاق ثلاثا أن الله يقعد محمداً على العرش واستفتاني لقلت له: صدقت وبررت! ".
قال الذهبي: "فأبصر حفظك الله من الهوى كيف آل الغلو بهذا المحدث إلى وجوب الأخذ بأثر منكر واليوم فيردون الأحاديث الصريحة في العلو بل يحاول بعض الطغام أن يرد قوله تعالى الرحمن على العرش استوى ".
وقال ابن تيمية في «مجموع الفتاوى» (4/ 337): "فقد حدَّثَ العلماء المرضيون وأولياؤه المقبولون: أن محمدًا رسول اللّه صلى الله عليه وسلم يجلسه ربه على العرش معه.
روى ذلك محمد بن فُضَيل، عن ليث، عن مجاهد، في تفسير: {عَسَى أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَّحْمُودًا} [الإسراء: 79] وذكر ذلك من وجوه أخرى مرفوعة وغير مرفوعة. قال ابن جرير: وهذا ليس مناقضًا لما استفاضت به الأحاديث من أن المقام المحمود هو الشفاعة، باتفاق الأئمة من جميع من ينتحل الإسلام ويدعيه، لا يقول: إن إجلاسه على العرش منكر ـ وإنما أنكره بعض الجهمية ـ ولا ذكره في تفسير الآية منكر".
قلتُ: ولا أدري هل هذا تأييد منه لهذا القول؟!.
والمسألة تحتاج لتحقيق أكثر، والله أعلم.
¥