تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

إنّ الحَمْد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيِّئات أعمالنا، من يهده الله؛ فلا مُضِلَّ له، ومن يُضْلِلْ؛ فلا هاديَ له، وأشْهد أنَّ لا إله إلاّ الله وحْده لا شريك له، وأشْهد أنّ محمداً عبْدُه ورسوله، أمَّا بعد:

فنحن – والله المستعان – في عصر صار الناس فيه مُعْجَبون بكلِّ جديد، ويلتقطون كلَّ فكرٍ ورأيٍ وإن كان غير سديد، فافتتن الكثيرُ والكثير، بأفكار وعقائد واتجاهات، ولم يكتفوا بكل ذلك؛ بل وينْغمسوا بها بالتفاخر، ويتسابقوا فيها بالتّنافس.

ولم يقف الأمر إلى هذا الحد، بل وتجد من يُشار إليه بالبنان؛ يشيد بهم، ويدعوهم إلى المضيِّ قُدُماً، مما جعلهم يعظِّمون الذي هم فيه، فيقدِّمون أقوالهم وأفكارهم على الوحيين الشريفين بحجج أوهى من بيت العنكبوت؛ بزعم أنهم يجيدون القواعد المنطقيَّة، والقواطع العَقْليَّة التي هي بزعمهم أعظم من الظواهر السّمْعية التي لا تفيد اليقين، فما وافق هواهم فهو المعقول المقبول، وما خالفه فهو المردود، والأثر إن لم يوافق عقلك؛ ضعه تحت رجلك، وإن كان في الصحيحين – والعياذ بالله –

وهذا من أكْبر الانحرافات المُنْتِنَة، التي كانت بدايتها أمر صغير اسْتَحْسَنَتْهُ العقول بدون ضابطٍ له أو مدلول، فصار إلى ما صار إليه من جَمْع كلِّ شر وقع فيه الخلق؛ من اختلاف وتدابر وتطاحن، بلَّه الحروب الطواحن، بَلَّه أذيةٍ وقتلٍ للعلماء، بله فساد الدِّين والدُّنيا معاً بخرابٍ في العلم والعقيدة والسلوك والاتجاه والاهتمام.

وهذا كله لا بد له من الوصول إلى الهاوية الكبرى؛ وهي القدْح في الدِّين الذي يجر إلى جحْد الرسالة وإنكارها، والموصل في النهاية إلى الإلحاد والزندقة، والعياذ بالله، كل ذلك سببه الطواغيت الحقيقية وهي: الأفكار والعقائد والاتجاهات والطرق والاهتمامات المنحرفة عن الصراط المستقيم.

فنعوذ بالله من الفتن ما ظهر منها وما بطن، وأكبر فتنة وقع فيها الناس؛ هي فتنة البدع والإضافات في الدين بغير إذن رب العالمين، حتى صار كثير منها وكأنه الدين الذي أرسل به سيد لمرسلين - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الذي ? ما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى ? فهو - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ما يدعو إلا بما أَذِنَ له الله كما قال الله سبحانه وتعالى عنه: ? وداعياً إلى الله بإذنه ? فبلغ الرّسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة وكشف الله به الغمة؛ فما ترك شيئا إلا وبينه؛ إما أمراً وإما نهياً، فامتثل لأمره الصالحون، وجانب نهيه المتنسكون الورعون، فحق لهم النجاة بهذا الانقياد.

أما المبتدعة فهم دعاة؛ ولكنهم دعاة بغير إذنٍ من الله، ولم يقتنعوا ويكتفوا بما أنزل الله، ولم يسعهم ما شرع الله، فوقعوا بمخالفة الرسالة - لجهلهم بالوحي – فخالفوا طريق الهداية ودليلها بالدعاوى الخياليَّة، والمزاعم الخاويَّة، لهذا تراهم دائما مختلفين، فالذي عندهم ليس من عند الله ? ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافاً كثيراً ? فهم على مر العصور مفترقون، بل ومُضَلِّلون أو مُفَسِّقون أو مكفِّرون لبعضهم البعض، وكل منهم يدعي أنه على الحق والهدى، وغيره على الباطل والرَّدى، فالكلُّ كاسر ومكسور، وكما قيل حقاً – قديماً -:

شُبَهٌ تَهَافَتُ كالزُّجاجِ تخالها حقاً وقدْ سَقَطَتْ على صَفْوَانِ إلا أهل السنة؛ فهم مهتدون بالسنة، يدورون حيث دارت، فالحلال عندهم ما أحله الله ورسوله، والحرام ما حرمه الله ورسوله، والشرع ما شرعه الله ورسوله، فهم يعملون بِمُحْكَم الوحي، ويؤمنون بِمُتَشابهه، ويقولون: ? آمنّا به كلٌ من عند ربِّنا ? فرفعهم الله وأعزَّ بهم دينه.

أما أهل البدع والأهواء فهم أذلاء بارتياب قلوبهم، متحيرين بشكوكهم، مخذولين بمعارضتهم نصوص الوحيين الشريفين، فهم على خلاف أهل السنة أصحاب الحجة النَّيرة والبينة.

فالمبتدعة في شك مما يدعون إليه مريب، حيارى باستهواء الشيطان لهم، فصاروا قريباً من جرفٍ هار أو على شفير من نار، وكل على قدر ضلاله يكون إضلاله.

أما عن أهدافهم؛ فهي على قدر ما يقذف في روعهم إبليس، وما يبثه من شُبَهِهِ المتراكمة المتزاحمة المزجاة ...

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير