تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ} قلت: فهذه الآية نص صريح على أنهم عبدوا عيسى عليه الصلاة والسلام، واستغاثوا به ودعوه في أمورلم تكن له بها قوة على كشفها عنهم, إذا كان عيسى عليه الصلاة والسلام وغيره من أنبياء بني إسرائيل عليهم الصلاة والسلام قد عبدوا من دون الله تعالى كما نص القرآن الكريم فغيره من الأولياء والصالحين من أمة محمد صلى الله عليه وسلم من باب أولى. ولما لاحظ الصديق رضي الله عنه هذا المعنى في الأمة المحمدية فألقى أول خطبة بعد الخلافة كما أخرجها البخاري في الصحيح وابن ماجه في السنن، والإمام أحمد في مسنده من حديث عائشة رضي الله عنها، وجاء في تلك الخطبة التاريخية المباركة: فتكلم أبو بكر، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: إن الله عز وجل يقول: {إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ} حتى فرغ من الآية {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ} حتى فرغ من الآية، ثم قال: "فمن كان يعبد الله عز وجل فإنّ الله حيٌّ, ومن كان يعبد محمداً فإن محمد قد مات"، فقال عمر: "وإنها لفي كتاب الله ما شعرت أنها في كتاب الله"، ثم قال عمر: "يا أيها الناس هذا أبو بكر وهو ذو شيبة المسلمين، فبايعوه، فبايعوه", ثم ذكر الحديث قلت: فهل كان أبو بكر وعمر وهابيين في نظر النبهاني، وأتباعه؟ لولا خوف الصديق رضي الله تعالى عنه عن وقوع الأمة في الشرك لما كان رضي الله تعالى عنه قد خطب بهذه الخطبة بهذه الصراحة الواضحة في هذا الوقت الحرج على الأمة، وقد أخرج الإمام البخاري رحمه الله تعالى في جامع الصحيح من خطبة عمر رضي الله عنه في هذا الباب أيضا, وذلك من حديث أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه أنه سمع خطبة عمر الآخرة حين جلس على المنبر، وذلك في الغد من يوم توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فتشهد، وأبو بكر صامت لا يتكلم، قال: "كنت أرجو أن يعيش رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى يدبرنا", يريد بذلك أن يكون آخرهم، ثم قال رضي الله تعالى عنه: "فإن يك محمد صلى الله عليه وسلم قد مات، فإن الله قد جعل بين أظهركم نوراً تهتدون به بما هدى الله محمداً صلى الله عليه وسلم"، ثم ذكر الحديث. ولقد برع الحافظ في الفتح في الكلام على هذا الحديث براعة علمية لا نظير لها في عصره فيما علمت، إذ تكلم على تخريج الحديث وزياداته وفنون إسناده، ولطائف معانيه فجزاه الله تعالى خير الجزاء، ولم يترك شبهة إلا أزالها، وأثبت رحمه الله تعالى تلك المعاني السامية التي حملها هذا الحديث الشريف في طياته، في إثبات الهداية القرآنية الإلهية، وكذا أثبت وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم وفاة حقيقية، وأنّ البقاء لله جل وعلا, ولا يزال القرآن الكريم يدعو بصراحة في آياته، وسوره إلى المقصد الأعلى والأسمى الذي بعث لأجله رسول الله صلى الله عليه وسلم، وسائر إخوانه من الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام في تثبيت العقيدة الصافية النقية، هي عقيدة توحيد الألوهية, وعقيدة توحيد الأسماء والصفات، فلا مجال لهؤلاء الخفافيش ولا قدرة لهم في الإساءة إلى هذا الأصل العظيم، والبنيان الراسخ والحجة القوية الباهرة التي ترك عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم أمته, ولا يمكن أن تنجح دعوة ما كائنة ما كانت إن خالفت هذا الأصل الوثيق والخط المستقيم، والمنهج الرفيع فإن دعا أحد إلى إصلاح أحوال البشرية على غير الخط الذي رسمه القرآن الكريم، والسنة المطهرة فإن دعوته لا تنجح أبداً فإن ضربت لك أمثلة حية على ما قلت ناقلا ذلك عن الحوادث التاريخية المتواترة منذ أن طلع نجم الإسلام في الآفاق إلى يومنا هذا لما كانت تكفيني هذه الصفحات, وللعاقل اللبيب أن يقلِّب صفحات التاريخ الإسلامي الحافل, أو ينظر فيما وقع أمام عينه، وبصره من حوادث خطيرة ضاعت فيها النفوس البريئة، وانتهكت لها الأعراض, وسفكت عليها الدماء, ونهبت فيها الأموال, ثم يتذكر بعثة رسول الله صلى الله عليه وسلم, هذا الانقلاب التاريخي العظيم الذي

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير