تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وقبل الإجابة على هذه الأدلة أو الشبهات، لابد من التأكيد على أنَّ جواز التبرك بآثار النبي صلى الله عليه وسلم بهذا المعنى الذي ذكره المؤلف، ليس مما قال به أحدٌ من سلف الأمة، بل ولا قال به أحدٌ من الأئمة الكبار عند سبر أقوالهم ومدلولاتها، وليس هو من باب ما يسوغ فيه الاجتهاد، ولذا فإن الرد على هذه الشبهات لا يتعلق بتصحيح حديث اختلف المحدثون فيه، ولا بتوثيق رجل اختلف علماء الجرح والتعديل في شأنه، ولا هو بمأخذ في دلالة لفظة، حمالة أوجه، وإنما هو في تصور الدلالة وانطباقها على الواقع، الأمر الذي غاب عن الشيخ - غفر الله له -، وأنا على يقين تام بأنه لو تأملها، لرجع عن قوله، كيف لا؟! وهو المعروف بدفاعه عن السنة، وذوده عن حياضها في مدينة الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم.

والرد على ما ذكره واستدل به الشيخ سيكون إن شاء الله على وجهين: مجمل، ومفصل:

فأما المجمل، فيقال:

لو كان الأمر كما قال الشيخ - عفا الله عنه - (ص14) ((التبرك بما يسمى (الآثار النبوية المكانية) أي الأماكن التي وُجد فيها النبي صلى الله عليه وسلم أو صلى فيها أو سكن بها أو مكث بها ولو لبرهة)) أ. هـ، لو كان المشروع من التبرك بآثاره صلى الله عليه وسلم يبلغ هذا الحد، لكان حجم المنقول من ذلكم التبرك من أفعال الصحابة أكثر من أن يحصر وبما يغني الشيخ عن عناء تتبع الوارد في هذا الباب، ذلك أن عدد ما نَزَله النبي صلى الله عليه وسلم من الأماكن يفوق العد والحصر، وما وطئته قدماه الشريفتان يتجاوز التعداد، ومع ذلك فلم يثبت عن الصحابة رضي الله عنهم أنهم تبركوا بالمكان الذي نزله، أو أنهم تتبَّعوا مواطئ أقدامه صلى الله عليه وسلم لا في حياته ولا بعد وفاته، كتبركهم بآثاره صلى الله عليه وسلم كشعره ووضوئه ونخامته، دع عنك أن يتتابعوا عليه، فلما تركوه وهم من هم حرصاً على الخير وحباً للنبي صلى الله عليه وسلم كان فيه أبلغ دليل على عدم مشروعية مثل هذا الصنيع بل وبدعيته وخروجه عن الهدي الأول. فدعوى التبرك بما مكث به ولو لبرهة: دعوة للتبرك بغار حراء، وشعاب مكة، وجبال مكة والمدينة وسهولهما، وما لا حصر له من الأماكن.

أمَّا الجواب المفصل فيقال:

= أمَّا حديث عتبان بن مالك رضي الله عنه فقد أورده بتمامه (ص14) ثم قال: ((والدلالة من هذا الحديث واضحة في قول عتبان رضي الله عنه "فأتخذه مصلى" وفي إقرار النبي صلى الله عليه وسلم ومعنى قول عتبان هذا: لأتبرك بالصلاة في المكان الذي ستصلي فيه، قال الحافظ ابن حجر: وفيه التبرك بالمواضع التي صلى فيها النبي صلى الله عليه وسلم أو وطئها، قال ويستفاد منه أن من دعي من الصالحين ليتبرك به أنه يجيب إذا أمن الفتنة. وقد علق سماحة الشيخ عبدالعزيز بن باز على هذه الفقرة بقوله: هذا فيه نظر، والصواب أن مثل هذا خاص بالنبي صلى الله عليه وسلم لما جعل الله فيه من البركة وغيره لا يُقاس عليه لما بينهما من الفرق العظيم .... ثم قال المؤلف: يفهم من كلامه هذا - أي ابن باز - الإقرار بدلالة حديث عتبان على مشروعية التبرك بالمكان الذي صلى فيه النبي صلى الله عليه وسلم وهو المقصود)) اهـ.

فأنت ترى هنا أن الدعوى أكبر من الدليل، فالدعوى هي وجوب المحافظة على آثار النبي صلى الله عليه وسلم المكانية من أجل التبرك بها حيث إنَّ من فوائد المحافظة عليها - كما ذكر في الفائدة الثانية - التبرك بها، فالشيخ - عفا الله عنه - يوجب المحافظة على هذه الآثار حتى نتمكن من التبرك بها، وأين في حديث عتبان، أو من كلام ابن حجر، أو حتى من كلام ابن باز المحافظة على هذه الآثار؟!، غاية ما في الحديث أن عتبان رضي الله عنه طلب من النبي صلى الله عليه وسلم أن يصلي في بيته كي يتخذه مصلى هذا أوّلاً. ثم بعد ذلك نأتي لمناقشة ما إذا كان ذلك للتبرك أم لا؟ فالحديث يحتمل احتمالات عدة ذكرها العلماء:

منها: ما نقله المؤلف عن ابن حجر.

ومنها: مالم ينقله المؤلف من قول ابن حجر في الصفحة نفسها: ((ويحتمل أن يكون عتبان إنما طلب بذلك الوقوف على جهة القبلة بالقطع)) (هامش فتح الباري) (1/ 522) وقد كان رضي الله عنه ضريراً.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير