تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

والاحتمال الثالث: ما ذكره شيخ الإسلام ابن تيمية في (مجموع الفتاوى) (17/ 468) حيث قال: ((فإنه قصد أن يبني مسجداً وأحب أن يكون أول من يصلي فيه النبي صلى الله عليه وسلم وأن يبنيه في الموضع الذي صلى فيه، فالمقصود كان بناء المسجد)) وقال في (اقتضاء الصراط المستقيم) (2/ 754): ((ففي هذا الحديث دلالة على أن من قصد أن يبني مسجده في موضع صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا بأس به، وكذلك قصد الصلاة في موضع صلاته، لكن هذا أصلُ قصدِه بناء مسجد فأحب أن يكون موضعاً يصلي له فيه النبي صلى الله عليه وسلم ليكون النبي صلى الله عليه وسلم هو الذي رسم المسجد)) أ. هـ.

فأهل بيت عتبان رضي الله عنه لم يُنقل عنهم أنهم فعلوا ذلك، ولا أحدٌ من الصحابة تبعه في ذلك وطلب من النبي صلى الله عليه وسلم ما طلبه عتبان مع أنَّ فيهم من هو أفضل وأحرص على الاقتداء بسنة النبي صلى الله عليه وسلم منه كأبي بكر وعمر وغيرهما، بل لم يُنقل عنهم حرصهم على التنفُّل في محرابه صلى الله عليه وسلم. ثم إن هذا ينسحب أيضاً على النساء، فنساؤه في بيوته صلى الله عليه وسلم لم يُنقل عنهن أنهن كنَّ يفعلن ذلك، أم أنَّ التبرك خاص بالرجال دون النساء؟!. كلُّ ما في الأمر أن عِتبان كلَّ بصرُه، وفعل فعلاً كان يرى عليه فيه غضاضة، وهو صلاته في بيته، فأراد إقرار النبي صلى الله عليه وسلم له على فعله، وأراد النبي صلى الله عليه وسلم إكرامه ومواساته، وهو الرؤوف الرحيم بصحابته وبالمؤمنين صلى الله عليه وسلم.

وقد ذكر المؤلف (ص23) أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه ذهب مع النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر رضي الله عنه إلى بيت عتبان رضي الله عنه وفي (ص14) قال: ((وليس مع المانعين سوى حديث موقوف على عمر بن الخطاب رضي الله عنه)) أ. هـ يعني حديث المعرور بن سويد والذي فيه إنكار عمر بن الخطاب رضي الله عنه على من قصد الصلاة في مكان صلى فيه النبي صلى الله عليه وسلم - وسيأتي - فهذا فقه عمر رضي الله عنه، وهو الذي ذهب مع النبي صلى الله عليه وسلم إلى بيت عتبان بن مالك رضي الله عنه كما ذكر المؤلف، فمن أولى بالاتباع؟!

وأياً كان الأمر فلا يُعرف أن الصحابة رضي الله عنهم أو من أتى بعدهم، حافظوا على مصلى عتبان رضي الله عنه ليتبركوا به، إلا ما رواه ابن سعد في الطبقات (3/ 550) عن الواقدي أنه قال: (فذلك البيت - يعني بيت عتبان - يصلي فيه الناس بالمدينة إلى اليوم) والواقدي متروك كذاب.

= أمَّا الدليل الثاني وهو أثر سلمة بن الأكوع رضي الله عنه فقد قال المؤلف - عفا الله عنه - (ص17): ((وثبت عن سلمة بن الأكوع رضي الله عنه أنه كان يتحرى المكان الذي كان يصلي فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم بين المنبر والقبلة: ففي الصحيحين عن يزيد بن أبي عبيد عن سلمة رضي الله عنه أنه كان يتحرى موضع مكان المصحف يسبح فيه، وذكر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يتحرى ذلك المكان.

وفي رواية في الصحيح أيضاً قال يزيد كان سلمة يتحرى الصلاة عند الأسطوانة التي عند المصحف فقلت له: يا أبا مسلم أراك تتحرى الصلاة عند هذه الأسطوانة قال رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يتحرى الصلاة عندها)) أ. هـ

فأين في أثر سلمة رضي الله عنه التبرك بالأسطوانة أو بالمصلى خلفها، غاية ما فيه تحريه الصلاة عندها اقتداء بتحري النبي صلى الله عليه وسلم وهذا من جنس الصلاة خلف مقام إبراهيم أو في مسجد قباء مع أن الصلاة عندهما أوكد من الصلاة عند الأسطوانة لما ثبت من فعله وقوله وترتيب الأجر على ذلك، ومع ذلك لم يقل أحدٌ من السلف أن الصلاة خلف المقام أو في مسجد قباء، كانت للتبرك بالمكان بل هو اقتداءٌ بالنبي صلى الله عليه وسلم طلباً للأجر لا لبركة المكان، ثم لو كان ذلك للتبرك فأين سلمة وسائر الصحابة رضي الله عنهم من محرابه صلى الله عليه وسلم، وهذا ما سبق الحديث عنه من أنَّ الشيخ يخلط بين التبرك والتعبد والاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم، ولذلك علق شيخ الإسلام ابن تيمية كما في (مجموع الفتاوى) (17/ 467) على حديث سلمة رضي الله عنه بقوله: ((وقد كان سلمة بن الأكوع يتحرى الصلاة عند الأسطوانة قال لأني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يتحرى الصلاة عندها فلما رآه يقصد تلك البقعة لأجل الصلاة كان ذلك القصد للصلاة متابعة))

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير