أحدهما: أن موقع دار الأرقم حسب ما تقدم في رواية ابن سعد على باب الصفا، وفي تلك الرواية يقول يحيى بن عمران بن عثمان بن الأرقم إني لأعلم اليوم الذي وقعت ـ أي دار الأرقم ـ في نفس أبي جعفر انه ليسعى بين الصفا والمروة في حجة حجها ونحن على ظهر الدار في فسطاط فيمر تحتنا لو أشاء أن آخذ عليه قلنسوة لأخذتها، وانه لينظر إلينا من حين يهبط بطن الوادي حتى يصعد إلى الصفا. وهذا غير موقع الدار المعروفة اليوم بذلك الاسم. وما في رواية ابن سعد المذكورة موافق لما في تاريخ مكة للأزرقي ومستدرك الحاكم انها عند الصفا ولما في أسد الغابة لابن الأثير أنها في أصل الصفا.
الثاني: ما ذكره ابن كثير في تاريخه البداية والنهاية في حوادث سنة (173هـ) في ترجمة الخيزران، قال: قد اشترت الدار المشهورة فيها بمكة المعروفة بدار الخيزران فزادتها في المسجد الحرام. فان هذا وان كان بعيداً ومخالفاً لرواية ابن سعد المتقدمة ولم يذكره الأزرقي وغيره فانه مما يشكك في اشتهار الدار الموجودة اليوم باسم (دار الأرقم) في زمن ابن كثير إذ لو كان الأمر كذلك لما خفي عليه. أ ـ هـ.
تاسعاً: ذكر الكاتب مكان ولادته صلى الله عليه وسلم، وأنه في مكان مكتبة مكة الحالية بجوار المسجد الحرام.
وذكر أنه لا خلاف فيه بين الفقهاء والمؤرخين وعلماء السيرة جيلاً بعد جيل ونقل عن ابن القيم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا خلاف أنه ولد بجوف مكة. زاد المعاد 1/ 76.
وكأن الكاتب يرى أن مكان ولادته صلى الله عليه وسلم في المكان المذكور شبه متواتر، وقال: إن المجال هنا يضيق بعرضها ومناقشتها. كما في صحيفة عكاظ 11/ 3/1427هـ.
ولم ينقل الكاتب قولاً للنبي صلى الله عليه وسلم يحدد فيه مكان ولادته صلى الله عليه وسلم ولم ينقل قول أحد من الصحابة رضي الله عنهم، ولا التابعين.
وإنما نقل الإجماع على ذلك.
ولم يذكر لنا من سبقه بهذا الإجماع.
وغاية ما ذكر من إجماع المسلمين في مكان مولده صلى الله عليه وسلم أن الشيخ عبدالله بن دهيش رحمه الله رئيس قضاة المحكمة الشرعية الكبرى بمكة أنه عبَّر في صك وقف المكان المذكور بقوله: (الشهير في محلته شهرة تغني عن تحديده ووصفه) ثم قال الكاتب بعد ذلك: وهذه عبارة من الشيخ عبدالله بن دهيش صريحة تشير إلى التواتر المحلي الذي لا يدع مجالاً للشك.
وكلام الشيخ عبدالله بن دهيش رحمه الله ليس نقلاً للإجماع.
وإنما نقل أن هذا المكان مشتهر بين الناس؟ ولو سلمنا أن الشيخ عبدالله بن دهيش رحمه الله نقل الإجماع. لو سلمنا ونحن لا نسلم! فنقول من أين له بالإجماع رحمه الله.
وأخطر من ذلك أن يقول الكاتب إن التواتر في تحديد مكان مولد النبي صلى الله عليه وسلم نقله جيلاً بعد جيل.
مثله مثل التواتر في تحديد أمكنة المشاعر ينقلها جيلاً بعد جيل.
وكلام الكاتب خطأٌ واضح وبيّن.
فالرسول صلى الله عليه وسلم أجمع العلماء على أنه حج صلى الله عليه وسلم ولكن العلماء لم ينقلوا حديثاً واحداً بأن الرسول صلى الله عليه وسلم أشار أو حدد مكان ولادته.
والعلماء نقلوا عن الصحابة صفة حجهم ولم ينقلوا نقلاً واحداً عن الصحابة في تحديد مكان مولده صلى الله عليه وسلم.
وجاءت الأحاديث في تحديده صلى الله عليه وسلم للمشاعر ونقلها الصحابة واستفاضت بين الناس بخلاف مكان مولده صلى الله عليه وسلم.
وقد قال ابن وضاح: فعليكم بالاتباع لأئمة الهدى المعروفين فقد قال بعض من مضى: كم من أمر هو اليوم معروف عند كثير من الناس كان منكراً عند من مضى، ومتحبب إلى الله بما يبغضه، ومتقرب إليه بما يبعده منه، وكل بدعة عليها زينة وبهجة أ ـ هـ. (البدع والنهي عنها ص89)
وأما ما نقله الكاتب عن ابن القيم رحمه الله: (في أنه لا خلاف في أنه صلى الله عليه وسلم ولد في جوف الكعبة) ليس دليلاً على أنه ولد في مكان مكتبة مكة التي بجوار الحرم. وإنما دليل على أنه ولد في مكة فقط دون تحديد المكان في مكة.
وكم أتعجب من الكاتب حينما ذكر أن المجال ضاق بذكر التحقيق في مكان ولادته صلى الله عليه وسلم. ولم يضق عليه المجال في عدِّ هذه الأماكن والآثار التي ذكرها. كبيت خديجة رضي الله عنها ودار الأرقم وغيرها؟؟؟
¥