فعن أنس 1 - رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ - قال: (قدم رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - المدينة ولهم يومان يُلعبان فيهما، فقال: ((ما هذان اليومان؟)) قالوا: كنا نلعب فيهما في الجاهلية، فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: ((إن الله قد أبدلكم بهما خيراً منهما: يوم الأضحى، ويوم الفطر)) رواه أبو داود
فالرسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لم يقرهم على أعياد الجاهلية، ولكنه أقرَّ أعياد الإسلام، لأن الإسلام هو الذي يقرر لا غيره، فإذا هنَّأنا الكفار بأعيادهم؛ فيُعتبر تقريراً لدينهم وضلالهم، رضينا أم أبينا.
ثم اعلموا يا عباد الله أن عم1 - رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ - ر اشترط شروطاً على أهل الذمة من أهل الكتاب، واتفق عليها الصحابة وسائر الفقهاء بعدهم أن أهل الذمة من أهل الكتاب: لا يظهرون أعيادهم في دار الإسلام، فإذا كان المسلمون قد اتفقوا على منعهم من إظهارها؛ فكيف يسوغ للمسلمين فعلها أو إقرارها، أوليس حينئذ يكون فعلها أو إقرارها أشد من فعل الكافر بها مُظهر لها؟!
وجاء في صحيح البخاري أن عمر 1 - رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ - قال: (إجتنبوا أعداء الله في عيدهم) وجاء في رواية صحيحة في البيهقي: ( .. فإن السَّخْطَةَ تنزل عليهم)
فهذا عمر بن الخطاب 1 - رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ - ينهى عن مخالطتهم في أعيادهم لأن ذلك من مقتضى دينهم، فكيف موافقتهم بالعمل والتهنئة لهم، ألا يكون أعظم من مجرد لقائهم والاجتماع بهم؟!
ثم يا عباد الله! إنَّ تهنئتنا لهم في أعيادهم يوجب السرور في قلوبهم بما هم عليه من الباطل، خصوصاً إذا كانوا في هذه البلاد؛ بلاد التوحيد والحصن الباقي الأخير، فإذا رأى هؤلاء الكفار أن المسلمين قد صاروا فرعاً لهم في خصائص دينهم؛ فإن ذلك يوجب قوة قلوبهم، وانشراح صدورهم، وربما أطمعهم ذلك في انتهاز الفرص واستغلال الضعفاء لنشر دينهم، ويلبِّسوا على العوام فيلقوا الشبهات في قلوبهم؛ حتى لا يميزوا بين المعروف والمنكر، وهذا الأمر محسوس، وكذلك نقول أن المشابهة والمشاكلة في الأمور الظاهرة؛ توجب مشابهة ومشاكلة في الأمور الباطنة على وجه المسارقة والتدريج الخفي، فبني آدم مجبولون على التأثر والتأثير؛ فيكتسبون الأخلاق بالمعاشرة والمشاكلة.
يقول ابن تيميَّة رحمه الله في كتابه "إقتضاء الصراط المستقيم لمخالفة أصحاب الجحيم": (الآدمي إذا عاشر نوعاً من الحيوان؛ اكتسب بعض أخلاقه، ولهذا صار الخيلاء والفخر في أهل الإبل، وصارت السّكينة في أهل الغنم، وصار الجمالون والبغالون فيهم أخلاق مذمومة من أخلاق الجمال والبغال، وكذلك الكلاّبون، وصار الحيوان الإنسي فيه بعض أخلاق الناس من المعاشرة والمؤالفة وقلَّة النُّفرة .. ثم قال: وقد رأينا اليهود والنصارى الذين عاشروا المسلمين هم أقل كفراً من غيرهم، كما رأينا المسلمين الذين أكثروا من معاشرة اليهود والنصارى؛ هم أقل إيماناً من غيرهم) اهـ
قلت: لهذا قال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ((من تشبَّه بقومٍ فهو منهم)) رواه أبو داود وغيره.
ثم قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: (فمشابهتهم في أعيادهم ولو بالقليل؛ هو سبب لنوع ما من اكتساب أخلاقهم التي هي ملعونة.) اهـ
ثم لتعلموا يا عباد الله! أن مشابهة الكفار في الظاهر؛ تورث نوعاً من محبتهم ومودتهم وموالاتهم في الباطن، وهذا أمر محسوس لكل صاحب لبٍّ، ويشهد له بالتجربة، وأخطر مشابهة لهم؛ ففي الأمور الدينية؛ فهي نوع من الموالاة التي تنافي الإيمان، قال تعالى: ? لا تجد قوماً يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادُّون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آبائهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم أولئك كتب في قلوبهم الإيمان وأيدهم بروح منه ويدخلهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها رضي الله عنهم ورضوا عنه أولئك حزب الله ألا إن حزب الله هم المفلحون ?
فيا عباد الله! لا تهنِّئوا ولا تقلدوا طائفة أصل عقيدتها أن الله ثالث ثلاثة، وأنَّ مريم صاحبته، وأن المسيح ابنه، وأنه نزل من على كرسي عظمته والتحم ببطن الصاحبة؛ وجرى له ما جرى، إلى أن قُتِل ومات ودفن – تعالى الله عما يقولون علوا كبيراً - ? وقالوا اتخذ الرحمن ولداً لقد جئتم شيئاً إدًّا تكاد السماوات يتفطَّرن منه وتنشقُّ الأرضُ وتخرُّ الجبالُ هدًّا أن دعوا للرحمن ولداً وما ينبغي للرحمن أن يتخذ ولداً إن كل من في السماوات والأرض إلاَّ آتي الرحمنِ عبداً ?
فهؤلاء الوثنيون عبَّاد الصليب قد ضلوا ضلالاً بعيداً، وسبوا الله العظيم الذي خلقهم وخلق المسيح أعظم مسبة، ما سبه إياها أحد من العالمين، فدين هؤلاء شرب الخمور، وأكل لحم الخنزير، وترك الختان، والتعبد بالنجاسات، واستباحة كل خبيث، فالحلال عندهم؛ ما أحله القسيس، والحرام ما حرمه، والدين ما شرعه، وهذا القسيس عندهم هو الذي يغفر الذنوب، ويعطي الصكوك الغفرانية فيغفر الذنوب، وهو الذي يقطع لهم الإقطاعات في الجنة.
فيا عباد الله! اتقوا الله عزَّ وجل، وكونوا من عباده المؤمنين الذين لا يشهدون الزور وإذا مروا باللغو مروا كراماً، فلا تشهدوا أعياد هؤلاء الذين اختاروا الكفر على الإيمان، واختاروا الكفر بنبي الله محمد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وجحدوا نبوته، فلا تشهدوا مناسبات قوم نزهوا بطارقتهم وبتاركتهم وقساوستهم عن الزوجة والولد، ولم ينزهوا ربهم هن الصاحبة والولد، فهؤلاء قد اختاروا دينهم في عبادة الصليب والصور التي خطوها بأيديهم في الحيطان، فزوقوا حيطانهم بهذه الصور بالألوان الحمراء والصفراء والزرقاء، فلو دَنَتْ منها الكلاب لبالتْ عليها، ومع ذلك أعطوها غاية الخضوع والذّل والخشوع والبكاء، وسألوها المغفرة والرحمة والرزق والنصر.
فاحذروا عباد الله! إحذروا من مشاركتهم وتهنئتهم، فكل هذا يُعتبر إقراراً لهم وعلى ضلالهم، فالله قد سماهم ضالون، فلا تضلوا معهم، والله المستعان ... وصلى الله على نبي الله محمد وسلّم
كتبه أبو ماجد أحمد بن عبد القادر تركستاني جماد ثاني 1413 هـ