وقد مضى معنا قول القرطبي عن القول السادس في الإستواء وهو القول بانه مستو بذاته فوق العرش: ((هذا قول القاضي أبو بكر [يعني الباقلاني] في كتابه تمهيد الأوائل له. وقد ذكرناه، وقاله الأستاذ أبو بكر بن فورك في شرح أوائل الأدلة، وهو قول ابن عبد البر والطلمنكي وغيرهما من الأندلسيين والخطابي في كتاب شعار الدين وقد تقدم ذلك))
والذي ذكرهم كابن عبد البر والطلمنكي من مشاهير مثبتي العلو بحيث لا يجعل لأحد طريق لتحريف أو تصريف وقد نقل الأخ ابن خميس بعض كلام الحافظ الطلمنكي وكلام ابن عبد البر حافظ المغرب مشهور وللعبرة فقد صدق أحد الأحباش مع نفسه ولم يلف ويدور او يقرمط وكفر الحافظ ابن عبد البر في منتدى النيلين ونقل عن العراقي قوله عنه أن ابن عبد البر ((جهوي فاحذره!!))
أما كلام الخطابي في شعار الدين الذي أشار إليه القرطبي فهو كلام جميل وهو في تهذيب مختصر سنن أبي داود 7/ 108 - 109 ومختصر الصواعق 2/ 381
أما نص كلام ابن فورك في قوله بنصر العلو الذي أشار له القرطبي فقد قال: ((وإن سألت أين هو فجوابنا: أنه في السماء كما أخبر في التنزيل عن نفسه بذلك فقال – عز من قائل - ? أأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ ? (الملك:16)، وإشارة المسلمين بأيديهم عند الدعاء في رفعها إليه، وإنك لو سألت صغيرهم وكبيرهم فقلت: أين الله؟ لقالوا: إنه في السماء ولم ينكروا لفظ السؤال بأين، لأن النبي - صلى الله عليه وسلم- سأل الجارية التي عرضت للعتق فقال: أين الله؟ فقالت: في السماء: مشيرة بها، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم- اعتقها فإنها مؤمنة، ولو كان ذلك قولاً منكراً لم يحكم بإيمانها ولأنكره عليها، ومعنى ذلك أنه فوق السماء، لأن في معنى فوق، قال الله تعالى: ? فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ ? (التوبة:2) أي فوقها إلخ مجموع الفتاوي (16/ 90). وهو على خلاف قوله في تأويل مشكل الحديث.
والباقلاني ذكر نص كلامه الإخوة ومنه قوله في كتاب ((الإبانة)): ((فإن قيل: هل تقولون إنه في كل مكان؟؛قيل له: معاذ الله، بل هو مستو على عرشه، كما أخبر في كتابه وقال (الرحمن على العرش استوى) وقال (إليه يصعد الكلم الطيب)، وقال (أأمنتم من في السماء)، ولو كان في كل مكان، لكان في بطن الإنسان، وفمه، والحشوش، ولوجب أن يزيد بزيادات الأماكن، إذا خلق منها ما لم يكن، ولصح أن يرغب إليه إلى نحو الأرض، وإلى خلفنا، وإلى يميننا، وشمالنا، وهذا قد أجمع المسلمون على خلافه وتخطئة قائله)) وبنحوه في التمهيد (ص: 260) تحقيق مكارثي وينظر موقف ابن تيميه 2/ 538
وقد ذكر كذلك لإمام ابن أبي الخير العمراني شيخ الشافعية في اليمن في كتابه الانتصار ج3/ 622 هذا الأمر وقال: ((وقد صرح القاضي أبو بكر الباقلاني الأشعري في التمهيد بالقول في هذه المسألة كما قال أصحاب الحديث وأما الغزالي فخالفهم في الاقتصاد وقال "أما رفع الأيدي في الدعاء إلى السماء فلأنها قبلة الدعاء كما أن البيت قبلة الصلاة" وهذا تمويه منه ومعاندة لما ورد به القرآن والسنة وما عليه العلماء من الصحابة والتابعين .. )) ثم رد على تأويله لحديث الجارية بكلام حسن فلينظر هناك.
والباقلاني وإن كان يثبت الاستواء والعلو إلا أنه يرى عدم إطلاق الجهة -موقف ابن تيميه 2/ 539 - فلينتبه.
ومن تلامذة الباقلاني والآخذين عنه الإمام الداني الذي يقول في الرسالة الوافية: ((ومن قولهم أنه سبحانه فوق سمواته مستو على عرشه ومستول على جميع خلقه وبائن منهم بذاته غير بائن بعلمه محيط بهم , ... إلخ)) ص52 - 56
وقد أثبته أيضاً القاضي عبد الوهاب تلميذ الباقلاني في شرحه لرسالة ابن أبي زيد وهو ما أثبته القرطبي ومحمد بن الحسن الحضرمي كما مر معنا وقد طبع كتابه وتكلف المحقق الجهمي تكلفاً عجيباً في صرف كلامه ولكنه عجز وسكت عن بعض الجمل فلله دره ما أنصفه!!
قال الأخ الراجحي: وتوضيحا أنقل نص الإمام ابن جرير الطبري وهو من أئمة السلف قال:
"فقل علا عليها علو ملك وسلطان لا علو انتقال وزوال" 1/ 222 تفسير ابن جرير
فاتضح بهذا أن السلف كانوا يؤولون الإستواء بعلو الملك والسلطان والقهر وهوعلو رتبة (معنوي) لا علو حسي حقيقي
¥