عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} (1)
أما بعد:
...........
في كلام ماتع، للإمام العلامة الماتع، شمس الدين أبي عبد الله ابن القيم-رحمه الله تعالى-على آية النور" الله نور ... "الآية، قال نوّر الله قبره ووجهه:" ... فانظر كيف تضمنت هذه الآيات طرائق بني آدم أتم انتظام، واشتملت عليه أكمل اشتمال،
فإن الناس قسمان:
..........................
أهل الهدى والبصائر، الذين عرفوا أن الحق فيما جاء به الرسول-صلى الله تعالى عليه وآله وسلم عن الله سبحانه وتعالى وأن كل ما عارضه فشبهات يشتبه على من قل نصيبه من العقل والسمع أمرها، فيظنها شيئا له حاصل ينتفع به.
وهي {كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيئا ووجد الله عنده فوفاه حسابه والله سريع الحساب أو كظلمات في بحر لجي يغشاه موج من فوقه موج من فوقه سحاب ظلمات بعضها فوق بعض إذا أخرج يده لم يكد يراها ومن لم يجعل الله له نورا فما له من نور}
وهؤلاء هم أهل الهدى ودين الحق أصحاب العلم النافع والعمل الصالح الذين صدقوا الرسول-صلى الله تعالى عليه وآله وسلم-في أخباره ولم يعارضوها بالشبهات، وأطاعوه في أوامره، ولم يضيعوها بالشهوات، فلا هم في علمهم من أهل الخوض الخراصين الذين هم في غمرة ساهون ولا هم في عملهم من المستمتعين بخلاقهم الذين حبطت أعمالهم في الدنيا والآخرة وأولئك هم الخاسرون، أضاء لهم نور الوحي المبين فرأوا في نوره أهل الظلمات في ظلمات آرائهم يعمهون، وفي ضلالتهم يتهوكون، وفي ريبهم يترددون، مغترين بظاهر السراب، ممحلين مجدبين مما بعث الله تعالى به رسوله من الحكمة وفصل الخطاب، إن عندهم إلا نخالة الأفكار، وزبالة الأذهان، التي قد رضوا بها واطمأنوا إليها، وقدموها على السنة والقرآن، إن في صدورهم إلا كبر ما هم ببالغيه أوجبه لهم اتباع الهوى، ونخوة الشيطان، وهم لأجله يجادلون في آيات الله بغير سلطان.
فصل في بيان أهل الجهل والظلم، وأنهم قسمان:
.................................................. ............
القسم الأول من أهل الجهل:
القسم الأول:
................
أهل الجهل والظلم الذين جمعوا بين الجهل بما جاء به والظلم باتباع أهوائهم الذين قال الله تعالى فيهم {إن يتبعون إلا الظن وما تهوى الأنفس ولقد جاءهم من ربهم الهدى}
وهؤلاء قسمان:
...................
أحدهما: الذين يحسبون أنهم على علم وهدى وهم أهل الجهل والضلال، فهؤلاء أهل الجهل المركب الذين يجهلون الحق ويعادونه ويعادون أهله، وينصرون الباطل ويوالون أهله، وهم يحسبون أنهم على شيء ألا إنهم هم الكاذبون.
فهم لاعتقادهم الشيء على خلاف ما هو عليه، بمنزلة رائي السراب الذي يحسبه الظمآن ماء، حتى إذا جاءه لم يجده شيئاً، وهكذا هؤلاء أعمالهم وعلومهم بمنزلة السراب الذي يخون صاحبه أحوج ما هو إليه.
ولم يقتصر على مجرد الخيبة والحرمان كما هو حال من أم (قصد) السراب فلم يجده ماء، بل انضاف إلى ذلك أنه وجد عنده أحكم الحاكمين وأعدل العادلين سبحانه وتعالى فحسب له ما عنده من العلم والعمل فوفاه إياه بمثاقيل الذر، وقدم إلى ما عمل من عمل يرجو نفعه، فجعله هباء منثورا؛ إذ لم يكن خالصاً لوجهه، ولا على سنة رسول الله-صلى الله تعالى عليه وآله وسلم.وصارت تلك الشبهات الباطلة التي كان يظنها علوماً نافعة كذلك هباء منثورا، فصارت أعماله وعلومه حسرات عليه، و (السراب) ما يرى في الفلاة المنبسطة من ضوء الشمس وقت الظهيرة يسرب على وجه الأرض كأنه ماء يجري. و (القيعة) القاع هو المنبسط من الأرض الذي لا جبل فيه ولا فيه واد، فشبه علوم من لم يأخذ علومه وأعماله من الوحي بسراب يراه المسافر في شدة الحر، فيؤمه، فيخيب ظنه، ويجده نارا تلظى.
¥