تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

فأجابت اللجنة: أولاً: ثبت أن الله - تعالى - وسع كلشيء رحمة وعلماً وكتب في اللوح المحفوظ ما هو كائن إلى يوم القيامة، وعمت مشيئتهوقدرته كل شيء، بيده الأمر كله لا مانع لما أعطى ولا معطي لما منع ولا راد لما قضىوهو على كل شيء قدير، وقد دلَّ على ذلك وما في معناه نصوص من الكتاب والسنة، وهيكثيرة معروفة عند أهل العلم، ومن طلبها من القرآن ودواوين السنة وجدها، من ذلك قولهتعالى: (إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) (العنكبوت:62) وقوله) اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ) (الزمر:62]، وقوله: "إِنَّا كُلَّ شَيْءٍخَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ" [القمر:49]، وقوله: "وَمَا تَشَاءُونَ إِلاَّ أَنْ يَشَاءَاللَّهُ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيماً حَكِيماً" [الإنسان:30]، وقوله: "يَمْحُوااللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ [الرعد:39]،وقوله:" (مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِيكِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِير) الحديد:22]، وقوله: " "وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْجَمِيعاً أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ) (يونس99) وقوله: "وَلَوْ شِئْنَا لَآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا) (السجدة: 13)

ومما ثبت عن النبي – صلى الله عليه وسلم – في ذلك ما حث على الذكر به عقبالصلاة من قول: "لا إله إلاَّ الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كلشيء قدير، اللهم لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجد منك الجد" البخاري (844) ومسلم (593)، وكذا ما جاء في حديث عمر – رضي الله عنه – من سؤالجبريل رسول الله – صلى الله عليه وسلم – عن الإيمان فأجاب النبي – صلى الله عليهوسلم – بقوله: "الإيمان: أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وتؤمنبالقدر خيره وشره" مسلم (8)، فهذه النصوص وما في معناها تدل على كمال علمه - تعالى - بما كان وما هو كائن وتقديره كل شؤون خلقه، وعلى عموم مشيئته وقدرته، ما شاءه – سبحانه - كان وما لم يشأ لم يكن.

ثانياً: ثبت أن الله حكيم في خلقه وتدبيرهوتشريعه، رحيم بعباده، وأنه - تعالى - أرسل الرسل - عليهم الصلاة والسلام - وأنزلالكتب وشرع الشرائع وأمر كلاً منهم أن يبلغها أمته، وأنه - تعالى - لم يكلف أحداًإلاَّ وسعه، رحمة منه وفضلاً، فلا يكلف المجنون حتى يعقل، ولا الصغير حتى يبلغ، وعذر النائم حتى يستيقظ، والناسي حتى يذكر، والعاجز حتى يستطيع ومن لم تبلغه الدعوةحتى تبلغه، رحمة منه تعالى وإحساناً.

وثبت عقلاً وشرعاً الفرق بين حركة الصاعدعلى سلم مثلاً والساقط من سطح مثلاً، فيؤمر الأول بالمضي إلى الخير وينهى عن المضيإلى الشر والاعتداء، بخلاف الثاني فلا يليق في شرع ولا عقل أن يوجه إليه أمر أونهي، وثبت الفرق أيضاً بين حركة المرتعش لمرضه وحركة من ليس به مرض، فلا يليق شرعاًولا عقلاً أن يوجه إلى الأول أمر ولا نهي فيما يتعلق في الرعشة، لكونه ملجأ مضطراًإليه، بل يرثى لحاله ويسعى في علاجه، بخلاف الثانيفقد يحمد كما في حركات العباداتالشرعية، وقد ينهى كما في حركات العبادة غير الشرعية وحركات الظلم والاعتداء، فتكليف الله عباده ما يطيقون فقط وتفريقه في التشريع والجزاء بين من ذكروا وأمثالهمدليل على ثبوت الاختيار والقدرة والاستطاعة لمن كلفهم دون من لم يكلفهم.

ثم إنالله - تعالى - حكم عدل علي حكيم لا يظلم مثقال ذرة، جواد كريم يضاعف الحسنات ويعفوعن السيئات، ثبت ذلك بالفعل الصريح والنقل الصحيح فلا يتأتى مع كمال حكمته ورحمتهوواسع مغفرته أن يكلف عباده دون أن يكون لديهم إرادة واختيار لما يأتون وما يذرونوقدرة على ما يفعلون، ومحال في قضائه العادل وحكمته البالغة أن يعذبهم على ما همإلى فعله ملجؤون وعليه مكرهون، وإذاً فقدر الله المحكم العادل وقضاؤه المبرم النافذمن عقائد الإيمان الثابتة التي يجب الإذعان لها وثبوت الاختيار للمكلفين وقدرتهمعلى تحقيق ما كلفوا به من القضايا التي صرح بها الشرع وقضى بها العقل، فلا مناص منالتسليم بها والرضوخ لها، فإذا اتسع عقل الإنسان لإدراك السر في ذلك فليحمد اللهعلى توفيقه، وإن عجز عن ذلك فليفوض أمره لله، وليتهم نفسه بالقصور في إدراك الحقائقفذلك شأنه في كثير من الشؤون، ولا يتهم ربه في قدره وقضائه وتشريعه وجزائه فإنه - سبحانه - هو العلي القدير الحكيم الخبير، (سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ) (180) وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ) (181)) وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) (الصافات:182) وليكف عن الخوض في ذلك الشأنخشية الزلل والوقوع في الحيرة، وليقنع عن رضا وتسليم بجواب النبي – صلى الله عليهوسلم – لأصحابه – رضي الله عنهم - لما حاموا حول هذا الحمى، فقالوا: يا رسول الله،أفلا نتكل؟ فقال لهم: "اعملوا فكل ميسر لما خلق له" رواه البخاري (4949) من طرق عنأبي عبد الرحمن السلمي عن علي بن أبي طالب – رضي الله عنه – قال: كنا مع رسول الله – صلى الله عليه وسلم – في بقيع الغرقد في جنازة فقال: "ما منكم من أحد إلاَّ وقدكتب مقعده من الجنة ومقعده من النار فقالوا: يا رسول الله، أفلا نتكل، فقال: "اعملوا فكل ميسر لما خُلق له ثم قرأ قوله تعالى: "فأما من أعطى واتقى وصدقبالحسنى فسنيسره لليسرى إلى قوله تعالى: "فسنيسره للعسرى"، ورواه أيضاً مسلم (2647) وأصحاب السنن الترمذي (2136)، وابن ماجة (78)، وأحمد (621 (.وباللهالتوفيق وصلى الله على نبينا محمد، وآله وصحبه وسلم.

اللجنة الدائمة للبحوثالعلمية والإفتاء:عبد الله بن قعود [عضو] عبد الله بن غديان [عضو] عبدالرزاق عفيفي [نائب رئيس اللجنة] عبد العزيز بن عبد الله بن باز [الرئيس] ا. هـ والله تعالى أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه حرر في 24/ 12/426

جمعه د. نايف بن أحمد الحمد

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير