تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ثُمّ تَنْطَلِق جُمُوعُ الْحَجِيجِ إِلى مَكَّةَ لِلطَّوَافِ ثُمّ الْسَّعْي ويَنْطِقُونَ بِالتَّوْحِيدِ عَلَى جُبِلِ الْصَّفَا كمَا عَلَّمَهُم نَبِيِّهِم مُحَمَّد صَلَّى اللَه عَلَيْهِِ وَسِلْم وَيَقُولُون: " لَا إِلَه إلَا اللَه وَحْدهُ لَا شَريْكَ لَه، لَه الملَكََ ولَه الْحَمْد وَهُو عَلَى كُلّ شَيْء قَدِير ".

ثم يفيضون إلى عرفات حيث تتنزل الرحمات وتتوالى البركات من رب الأرض والسموات ويلهجون بالتوحيد كما قال صلى الله عليه وسلم:" خَيْرُ الدُّعَاءِ دُعَاءُ يَوْمِ عَرَفَةَ وَخَيْرُ مَا قُلْتُ أَنَا وَالنَّبِيُّونَ مِنْ قَبْلِي لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ".

فَأَعْظِم الذِّكْرِ تَوْحِيدُ اللِه بِأُلُوهِيَتِهِ وَبِرُبوبيته وبأسمائه وبصفاته.

قال الله تعالى:" {لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ}

وَمِنْ أَعْظِم الْمَنَافِعِ تَوْحِيدُ الِلَّهِ وإفْرَادُهُ سُبْحَانَه بِالْعِبَادَةِ وعَدَمُ الْحِلْفِ إِلَّا بِه وعَدَمُ التَّوَكُّلِ إِلَّا عَلَيْهِِ. .

الحجاج تجردوا لِلَّهِ مِنْ الْمِخْيَط عِنْد الْمِيقَات، وهَلَتْ دُمُوع التَّوْبَة فِي صَعِيد عَرَفَات عَلَى الوجنات، خجلاً مِنْ الهفوات والعثرات، وضجت بالافتقار إِلى الِلَّهِ كُلّ الْأَصْوَات بِجَمِيع اللغات، وازدلفت الْأَرْوَاح إِلى مُزْدَلِفَة للبيات، وزحفت الجموع بَعَّد ذلِك إِلى رُمِي الْجَمَرَات، وَالطَّوَاف بِالْكَعْبَة الْمُشْرِفَة، وَالسَّعْي بُيِّن الصَّفَا والْمَرْوَة، فِي رِحْلَة مِنْ أُرَوَّع الرحلات، وسياحة مِنْ أُجْمِل السياحات.

حُجَّاجَ البَيْتِ الْعَتِيقْ، لَقَد فَتَحْتُمْ فِي حَيَاتِكُم صُفّحَةً بَيْضَاء نَقِيَّة، ولبستم بَعَّد حَجِّكُم ثيابًا طاهرةً نَقِيَّة، فحَذَارِ حَذَارِ مِنْ الْعَوْدَةِ إِلى الأَفْعَالَ الْمُخْزِيَةِ، والْمَسَالِكِ الْمُرْدِيَةِ، وَالْأَعْمَالِ الْشَائِنَةِ، فَمَا أُحْسِنَ الْحَسَنَةِ تَتَّبِعُهَا الْحَسَنَة، وَمَا أَقْبَحَ السَّيِّئَةِ بَعَّد الْحَسَنَةِ.

أيها الْمُسْلِمُون، إِنّ لِلْحَجّ الْمَبْرُور أَمَارَة، ولقبوله مَنْارة، سُئِل الحَسَن الْبَصْرِيّ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: مَا الْحَجّ الْمَبْرُور؟ فَقَال: أَنّ تَعُود زاهدًا فِي الدُّنْيَا، راغبًا فِي الآخِرَة (1) ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=58#_ftn1).

أَيُّهَا الْمُسْلِمُون، إِنّ الْحَاجّ مُنْذ أَنّ يُلبي وَحَتَّى يَقْضِي حَجِّه وينتهي فإِنّ كُلّ أَعْمَال حَجِّه ومِنْاسكه تُعَرِّفْهُ بِاللَه، تُذَكِّرُه بحُقُوقه وخصائص ألوهيته جُلّ فِي عَلَاه، وأَنّه لا يَسْتَحِقّ الْعِبَادَة سَوَّاه، تَعْرِفْه وتُذَكِّرُه بأَنّ اللَه هُو الْأَحَد الَّذي تُسلَم النَّفْس إليه، ويوجَّه الْوَجْه إليه، وأَنّه الصَّمَد الَّذي لَه وَحْدَهُ تصمد الخلَائق فِي طَلَب الْحَاجّاتِ، والعياذُ مِنْ الْمَكْرُوهَاتِ، والَاستغاثة عِنْد الكرباتِ، فَكَيْف يهُون عَلَى الْحَاجّ بَعَّد ذلِك أَنّ يُصْرَف حقًا مِنْ حُقُوق اللَه مِنْ الدُّعَاء والَاستعانة وَالذَّبْح وَالنَّذْر إِلى غَيَّرَه؟! وَأَيّ حِجّ لمِنْ عَاد بَعَّد حَجِّه يُفْعَل شيئًا مِنْ ذلِك الشِّرْك الصَّرِيح وَالْعَمَل الْقَبِيح؟!

أَيُّهَا الْمُسْلِمُون، أَيْن الحَجّ لمِنْ عَاد بَعَّد حَجِّه يَأْتِي المشعوذين والسحرة، وَيُصَدِّق أَصْحَاب الأبراج والتنجيم وَأُهِلُ الطِّيَرَة، ويتبرك بالأشجار، ويتمسح بالأحِجّار، وَيُعَلَّق التَّمَائِم والحروز؟!

أَيُّهَا الْمُسْلِمُون، أَيْن أَثَر الحِجّ فِيمِنْ عَاد بَعَّد حَجِّه مضيعًا للصلَاة، مانعًا للزكاة، آكُلّاً للربا والرشا، متعاطيًا للمخدرات والمسكرات، قاطعًا للأرحام والغًا فِي الْمُوبِقَات والآثام؟!

حُجَّاج البَيْت الْعَتِيق، يَا مِنْ امتنعتم عْن محظورات الْإِحْرَام أَثْنَاء حِجّ بَيَّت الله الْحَرَامَُُُ، إِنّ هُنَاك محظورات عَلَى الدَّوَام، وَطَوَّل الدَّهْر والأعوام، فَاحْذَرُوا إتيَانها وقربانها، يَقُول جُلّ وَعَلَا: {تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلاَ تَعْتَدُوهَا وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} [الْبَقَرَة: 229].

بارك الله لَيّ وَلَكُم فِي الْقُرْآن وَالسُّنَّة، ونفعْني وإيَاكم بمَا فِيهمَا مِنْ الآيَات وَالْحِكْمَة، أُقَوَّل مَا تَسْمَعُون وَأَسْتَغْفِر الله لَيّ وَلَكُم وَلِسَائِر الْمُسْلِمِين مِنْ كُلّ ذَنْب وَخَطِيئَة فاستغفروه إِنّه هُو الْغَفُور الرَّحيم.

وصلى الله وَسِلْم عَلَى سَيَّدَنا مُحَمَّد وَآلِه وَصَحِبَه وَسِلْم.

وكتب أبُو مُعَاذ اليماني

لخمسٍ مضينَا مِنْ شَهْر ذِي الحِجّة

لعام سبعٍ وعشرينَ وَأَرْبَع مَائة وَأَلَّف.

(1) ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=58#_ftnref1) انظر: الجامع لأحكام القرآن للقرطبي (2/ 408).

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير