تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

أن نقول: إن العقل يدرك ما يجب لله سبحانه وتعالى ويمتنع عليه على سبيل الإجمال لا على سبيل التفصيل، فمثلاً: العقل يدرك بأن الرب لا بد أن يكون كامل الصفات، لكن هذا لا يعني أن العقل يثبت كل صفة بعينها أو ينفيها لكن يثبت أو ينفي على سبيل العموم أن الرب لا بد أن يكون كامل الصفات سالماً من النقص.

فمثلاً: يدرك بأنه لابد أن يكون الرب سميعاً بصيراً، قال إبراهيم: ((يا أبت لم تعبد ما لا يسمع ولا يبصر)) [مريم: 42].

ولابد أن يكون خالقاً، لأن الله قال: ((أفمن يخلق كمن لا يخلق)) [النحل: 17] ((والذين يدعون من دون الله لا يخلقون شيئاً)) [النحل: 20].

يدرك هذا ويدرك بأن الله سبحانه وتعالى يمتنع أن يكون حادثاً بعد العدم، لأنه نقص، ولقوله تعالى محتجاً على هؤلاء الذين يعبدون الأصنام: ((والذين يدعون من دون الله لا يخلقون شيئاً وهم يخلقون)) [النحل: 20]، إذاً يمتنع أن يكون الخالق حادثاً بالعقل.

العقل أيضاً يدرك بأن كل صفة نقص فهي ممتنعة على الله، لأن الرب لابد أن يكون كاملاً فيدرك بأن الله عز وجل مسلوب عنه العجز، لأنه صفة نقص، إذا كان الرب عاجزاً وعصي وأراد أن يعاقب الذي عصاه وهو عاجز، فلا يمكن!

إذاً، العقل يدرك بأن العجز لا يمكن أن يوصف الله به، والعمى كذلك والصم كذلك والجهل كذلك .... وهكذا على سبيل العموم ندرك ذلك، لكن على سبيل التفصيل لا يمكن أن ندركه فنتوقف فيه على السمع.


الإشكال التاسع [1/ 105]

هل بعض الأحاديث فيها تمثيل؟

فإن قال قائل: إن النبي صلى الله عليه وسلم حدثنا بأحاديث تشتبه علينا، هل هي تمثيل أو غير تمثيل؟ ونحن نضعها بين أيديكم:

1 - قال النبي صلى الله عليه وسلم "إنكم سترون ربكم كما ترون القمر ليل لبدر، لا تضامون في رؤيته"، فقال: "كما" والكاف للتشبيه، وهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم، ونحن من قاعدتنا أن نؤمن بما قال الرسول كما نؤمن بما قال الله، فأجيبوا عن هذا الحديث؟

نقول: نجيب عن هذا الحديث وعن غيره بجوابين: الجواب الأول مجمل والثاني مفصل.

فالأول المجمل: أنه لا يمكن أن يقع تعارض بين كلام الله وكلام رسوله الذي صح عنه أبداً، لأن الكل حق، والحق لا يتعارض، والكل من عند الله، وما عند الله تعالى لا يتناقض ((ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافاً كثيراً)) [النساء: 82]، فإن وقع ما يوهم التعارض في فهمك، فأعلم أن هذا ليس بحسب النص، ولكن باعتبار ما عندك، فأنت إذا وقع التعارض عندك في نصوص الكتاب والسنة، فإما لقلة العلم، وإما لقصور الفهم، وإما للتقصير في البحث والتدبر، ولو بحثت وتدبرت، لوجدت أن التعارض الذي توهمته لا أصل له، وإما لسوء القصد والنية، بحيث تستعرض ما ظاهره التعارض لطلب التعارض، فتحرم التوفيق، كأهل الزيغ الذين يتبعون المتشابه.

ويتفرع على هذا الجواب المجمل أنه يجب عليك عند الاشتباه أن ترد المشتبه إلى المحكم، لأن هذه الطريق الراسخين في العلم، قال الله تعالى: ((هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا)) [آل عمران: 7]، ويحملون المتشابه على المحكم حتى يبقى النص كله محكماً.

وأما الجواب المفصل، فأن نجيب عن كل نص بعينه فنقول:

إن قول النبي صلى الله عليه وسلم: "إنكم سترون ربكم كما ترون القمر ليلة البدر لا تضامون في رؤيته" ليس تشبيهاً للمرئي بالمرئي، ولكنه تشبيه للرؤية بالرؤية، "سترون ... كما ترون"، فالكاف في: "كما ترون": داخله على مصدر مؤول، لأن (ما) مصدرية، وتقدير الكلام: كرؤيتكم القمر ليلة البدر وحينئذ يكون التشبيه للرؤية بالرؤية لا المرئي بالمرئي، والمراد أنكم ترونه رؤية واضحة كما ترون القمر ليلة البدر ولهذا أعقبه بقوله: "لا تضامون في رؤيته" أو: "لا تضارون في رؤيته" فزال الإشكال الآن.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير