تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

فقالت المعتزلة: لا يكون إلا بحرف وصوت ()، والكلام المنسوب إلى الله قائم بالشجرة.

وقالت الأشاعرة: كلام الله ليس بحرف ولا صوت, وأثبتت الكلام النفسي, وحقيقته معنى قائم بالنفس, وإن اختلفت عنه العبارة كالعربية والعجمية, واختلافها لا يدل على اختلاف المعبر عنه, والكلام النفسي هو ذلك المعبر عنه, وأثبتت الحنابلة أن الله متكلم بحرف وصوت.

أما الحروف فللتصريح بها في ظاهر القرآن. وأما الصوت فمن منع قال: إن الصوت هو الهواء المنقطع المسموع من الحنجرة.

وأجاب من أثبته بأن الصوت الموصوف بذلك هو المعهود من الآدميين كالسمع والبصر, وصفات الرب بخلاف ذلك؛ فلا يلزم المحذور المذكور مع اعتقاد التنزيه, وعدم التشبيه, وأنه يجوز أن يكون من غير الحنجرة فلا يلزم التشبيه.

وقد قال عبد الله بن أحمد بن حنبل في كتاب "السنة": سألت أبي عن قوم يقولون لما كلم الله موسى لم يتكلم بصوت فقال لي أبي: بل تكلم بصوت، هذه الأحاديث تروى كما جاءت وذكر حديث ابن مسعود وغيره ().

17 - مسألة تسلسل الحوادث و مسألة حوادث لا أول لها موجبة بالذات:

أولاً: حاول المعترض أن يدلس على القراء أن شيخ الإسلام يقول بقدم العالم, وبحوادث لا أول لها, وأنها ملازمة لذات الله ().

قلت: وهذا من الافتراء على شيخ الإسلام.

قال المعترض في "كاشفه" (ص89): وقد يفهم من كلمات لابن تيمية في بعض المواضع أن كل ما هو موجود الآن؛ فإنه مخلوق في شيء قبله, وهذا الشيء مخلوق ومنه كل شيء. وهذا القول قريب من قول الفلاسفة بقدم مادة العالم وحدوث صورتها, والقول بقدم العالم بالنوع هو عين القول بقدم نوع المفاعيل والآثار لا يوجد فرق بينهما, وكل منهما بينه ابن تيمية على كون الله تعالى خالقاً منذ الأزل, ومعنى كونه خالقاً عنده لا يحتمل إلا أنه لم يزل يوجد مخلوق, وقبله مخلوق وهكذا لا إلى بداية؛ فهو مبني على قدم نوع صفات الله تعالى, وسنتحدث عن هذه المسألة في فصل خاص, ومبني أيضاً على القول بأن الله تحل فيه الحوادث المتعاقبة منذ الأزل إلى الأبد؛ فإذن هذه الأصول هي أساسية عند ابن تيمية, وهو يقول بها جميعاً ليتم له إثبات ما يريد إثباته.

وللجواب:

1 - لفظ التسلسل لفظ مجمل لم يرد في نفيه ولا إثباته كتاب ولا سنة (). فالواجب الاستفصال عن معناه.

ثانياً: ممن أبان عن هذه المسألة ابن أبي العز الحنفي في شرحه "للطحاوية"، قال رحمة الله: وهو ينقسم إلى واجب وممتنع وممكن؛ فالتسلسل في المؤثرين محال ممتنع لذاته وهو أن يكون مؤثرون كل واحد منهم استفاد تأثيره مما قبله لا إلى غاية ().

وهو فرض أن المخلوقات كلها متوالدة عن بعضها إلى ما لا نهاية بحيث يكون كل واحد منها معلولاً بما قبله, وعلة لما بعده دون أن تتبع هذه السلسلة أخيراً علة واجبة ().

والتسلسل الواجب ما دل عليه العقل والشرع من دوام أفعال الرب تعالى في الأبد, وأنه كلما انقضى لأهل الجنة نعيم أحدث لهم نعيماً آخر لا نفاد له, وكذلك التسلسل في أفعاله سبحانه من طرف الأزل, وأن كل فعل مسبوق بفعل آخر فهذا واجب في كلامه؛ فإنه لم يزل متكلماً إذا شاء, ولم تحدث له صفة الكلام في وقت, وهكذا أفعاله التي هي من لوازم حياته؛ فإن كل حي فعال, والفرق بين الحي والميت الفعل.

ولهذا قال غير واحد من السلف: الحي الفعال.

وقال عثمان بن سعيد: كل حي فعال, ولم يكن ربنا تعالى قط في وقت من الأوقات معطلاً عن كماله من الكلام والإرادة والفعل ().

قلت: وهذا هو الذي ينكره الجهمية والمعتزلة والأشاعرة الذين يزعمون أن إثبات ذلك يلزم قيام الحوادث به, والذي يلزم من ذلك مشابهته للمخلوق, ولذلك جعلوا من أثبت قيام الأفعال الاختيارية به ألزموه بالقول بقدم العالم كما فعل هذا المعترض محاولاً التلبيس والتدليس بقوله المتقدم: والقول بقدم العالم بالنوع هو عين القول بقدم نوع المفاعيل والآثار لا يوجد فرق بينهما, وكل منهما بينه ابن تيمية على كون الله تعالى خالقاً منذ الأزل, ومعنى كونه خالقاً عنده لا يحتمل إلا أنه لم يزل يوجد مخلوق وقبله مخلوق, وهكذا لا إلى بداية فهو مبني على قدم نوع صفات الله تعالى، كذا قال.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير