تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

[دعوى التأثير السياسي في بناء القواعد العلمية]

ـ[سلطان العميري]ــــــــ[22 - 01 - 07, 12:55 م]ـ

المقدمة

الحمد لله رب العالمين , والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين , وعلى آله وصحبه أجمعين , وعلى من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين أما بعد

فإن القارئ والمتابع لكتابات أصحاب المشاريع العلمية والتجديدية في الفكر الإسلامي يجد أنهم قد وجهوا تهما كثيرة إلى الفكر الإسلامي في العصور المتقدمة والوسطى , وحكموا عليه بأحكام متنوعة , كل حسب منطلقه وأصله الذي اعتمده في البحث العلمي.

ومن هذه الأحكام والاتهامات التي يذكرها هؤلاء في بحوثهم العلمية القول: بأن أئمة الإسلام والمؤصلين لقواعده وأصوله قد وضعوا بعض القواعد والأصول بناءا على مقتضى الرغبات السياسية , وليس على ما تقتضيه النصوص الشرعية , وهذه الدعوى منتشرة في كتبهم وبحوثهم , فكان لا بد من الوقوف معها والرد على ما تقتضيه وتستلزمه من لوازم باطلة , فكان هذا البحث الذي أسميته " دعوى التأثير السياسي في بناء القواعد العلمية دراسة نقدية " , وقد تكون من تمهيد ومسألتين:

أما التمهيد: ففيه الكلام عن طبيعة التأثير المذموم.

وأما المسألة الأولى: ففيها الكلام عن حقيقة هذه الدعوى وعن تطبيقاتها على الفكر الإسلامي عندهم.

وأما المسألة الثانية: ففيها مناقشة هذه الدعوى والرد عليها.

التمهيد

مما لا شك فيه أن العلوم الإسلامية قد تأثرت بمؤثرات متعددة , وهذه المؤثرات متنوعة بين مؤثرات داخلية ومؤثرات خارجية , وكل منهما ينقسم إلى محمود ومذموم.

والتأثر المذموم بنوعيه يستحيل فيه أمران: الأول: أن يكون في أصل منشأ العلم , والثاني: أن يصبح التأصيل له وحده دون غيره.

ومعنى الأمر الأول هو: أنه يستحيل أن تتأثر قواعد العلم في أصل نشأتها بمؤثرات تخرجها عن نهج الصواب ويستمر ذلك زمنا حتى يطرأ الصواب عليها , فكل العلوم الإسلامية في أول نشأتها كانت قواعدها وأصولها جارية على نهج الصواب , والخطأ طارئ عليها , ولا يعني هذا أنه لم يقع الخطأ فيها بحال , وإنما المقصود أن أول استقرار لقواعد العلم كانت على الصواب ثم دخل التأثر فيها , فالتأثر بالمؤثرات المذمومة طارئ على العلوم الإسلامية وليس أصلا فيها.

ومعنى الأمر الثاني هو: أنه يستحيل أن تستقر القواعد المتأثرة بالتأثر المذموم حتى تصبح هي الوحيدة التي تقرر , وتهجر القواعد الصحيحة التي لم يقع فيها التأثير تماما ولا تذكر.

وإنما استحال هذان الأمران لدليلين:

الدليل الأول: الوعد بحفظ الدين , فإن هذان الأمران ينافيان هذا الوعد الإلهي , لأن حقيقة هذا الوعد هي أن يكون الدين محفوظا من أول أمره إلى آخره , ووقوع أحد هذين الأمرين لا يستقيم مع هذا الحفظ , وبيان ذلك: أنه لو فرض أن القاعدة الشرعية كانت متأثرة بالتأثر المذموم من أول استقرارها لكان هذا منافيا لحفظ الدين في أول أمره , ولو فرض أن التأصيل أصبح لها وحدها فقط واختفت القاعدة الصحيحة الخالية من المؤثرات المذمومة لكن هذا منافيا لحفظ الدين في آخر أمره.

الدليل الثاني: امتناع أن تجتمع الأمة على الخطأ, وهو في الحقيقة فرع للدليل الأول , ووقوع أحد هذين الأمرين ينافي هذا الامتناع , وبيان ذلك: أنه لو فرض أن القاعدة العلمية في أول ظهورها كانت متأثرة بالتأثر المذموم , واستمر ذلك فيها زمنا = لاستلزم ذلك أن الأمة كانت على الخطأ حتى زال ذلك التأثر الذي كان في أول نشأت القاعدة , ولو فرض أن القاعدة المتأثرة بالتأثر المذموم استقرت بحيث أصبح التأصيل لها وحدها ولم يعد للقاعدة الصحيحة الخالية من المتأثرات المذمومة ذكر ولا وجود = لكان لازم ذلك أن الأمة اجتمعت على خلاف الصواب الذي هو الخطأ , وكلا هذين الفرضين مخالف لامتناع أن تجتمع الأمة على الخطأ.

فتحصل مما سبق: أن التأثر المذموم لا بد فيه من شرطين:

الشرط الأول: ألا يكون في أصل استقرار القاعدة.

الشرط الثاني: ألا يتفرد بالتأصيل دون القول الخالي من التأثير.

وليس المقصود هنا الكلام على تفاصيل المؤثرات التي تأثرت بها القواعد العلمية , وإنما المقصود إثبات أصل التأثر , وطبيعة التأثر المذموم , والكلام على واحد من المؤثرات التي ادعى فيها أنها قد أثرت في بناء القواعد العلمية وهو الأثر السياسي.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير