تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

التفكير العقلاني في الإسلام قال:" مرجع هذا الاضطهاد فيما نعلم إلى أسباب سياسية أو شخصية " (11).

ومن صور تطبيقاته عندهم: دعواهم أن منع السلف والأئمة للفلسفة وعدم قبولها كان لأجل أمر سياسي , لا لأجل أنهم يرونها باطلة مخالفة للدين , وفي هذا يقول الجابري:" وأما الطرف الآخر الرافض لعلوم الأوائل فقد كان رفضه إيديولوجيا سياسيا في الغالب .... " (12) , ولما أراد الجابري أن يذكر سبب ما أسماه بؤس الفلسفة في الأندلس جعله سببا سياسيا فقط (13).

وهكذا فسروا كثيرا من المسائل العقدية , والموافق التي وقفها الأئمة من الدعاة إلى البدع بأنه إنما فعلوا ذلك لأغراض ترجع إلى السلطة الحاكمة , وليس تأصيلا لما اعتقدوه مرادا لله تعالى.

ومن العلوم التي طبقوا هذه الدعوى عليها علم الحديث , ومن صور تطبيقاتهم: زعمهم أن الأئمة وضعوا بعض الأحاديث مراعاة للسلطة , ومن الأمثلة على الأحاديث التي وضعها الأئمة لأجل السلطة الحاكمة عندهم:ا أحاديث الصبر على ظلم ولاة الأمور, فقد ذكر جولد تسهير أن أهل الحديث لعبوا دورا خطيرا في تثبيت أنظمة الحكم بوضع هذه أحاديث الصبر على ظلم الولاة والتي تأمر بطاعتهم أو باعتزال الأمر وتركه (14) , ومن الأمثلة: ما ادعاه جولد تسهير أيضا من أن الزهري وضع حديث " لا تشد الرحال إلا لثلاثة مساجد ........ " لعبد الملك بن مروان لما بنى مسجد الصخرة ليحول يبن أهل الشام والعراق وبين الحج إلى الكعبة حتى لا يتصلوا بابن الزبير (15) , ولهذا يقول جولد:" وقد استغل هؤلاء الأمويون أمثال الإمام الزهري بدهائهم في سبيل وضع الأحاديث " (16) , ومن الأمثلة على ذلك أن محمد الجابري لما تحدث عن الإصلاح ذكر أن بعض الأحاديث تحارب الإصلاح وتكرس الإحباط , ومن هذه الأحاديث حديث "بدأ الإسلام غريبا ..... " وحديث " خير أمتي قرني ...... " وحديث " الخلافة في أمتي ثلاثون سنة .. " , ثم قال معلقا:" من السهل أن يشكك الإنسان في صحة مثل هذه الأحاديث التي فيها بوضوح رائحة السياسة " (17) , وقد كرر كثير من الرافضة المعاصرين هذه الدعوى , فزعموا أن المحدثين وضعوا كثير من الأحاديث لتثبيت السلطة الحاكمة , ومن ذلك قول زكريا عباس أحد الرافضة:" إننا عندما نبحث في أسباب الوضع نلاحظ أن الجانب السياسي كان دافعا قويا لمعاوية كي يوظف السنة النبوية لخدمة هدافه .... , ولذا عمد لاستخدام مجموعة من الصحابة التابعين , كي يضعوا أحاديث تبرر له أعماله , وتضفي الشرعية الدينية على ملكه " (18) , وقد كرر هذه الدعوى كثير من الرافضة المعاصرين (19).

ومن صور تطبيقاته على علم الحديث: زعم بعضهم أن كلام الأئمة في الجرح والتعديل أثرت فيه الإنتماآت السياسية , وفي هذا يقول حمادي ذويب:" عدالة الراوي تتلاعب بها الأهواء السياسية والمنازعات بين المذاهب والفرق الدينية والسياسية " (20).

ومن العلوم التي طبقوا هذه الدعوى عليها علم الفقه , ومن صور ذلك التطبيق زعم محمد سعيد العشماوي أن الفقهاء قالوا ببعض الأقوال الفقهية , وأفتوا ببعض الفتاوى مسايرة للسياسة ,فقد ذكر إن الفقهاء عبيد السلاطين , ويقول:" كانوا فيما يفعلون يضعون أعينهم في قول أو همس أو صمت على الخلافة الجائرة , فلا يصدر عنهم إلا ما يوافق الخليفة وما يرضي السلطان " (21) , ويقول أيضا:" ولإعطاء الخلفاء تأييدا دينيا لسياساتهم الخارجية قام الفقهاء بقسمة العالم إلى دارين دار السلام ودار الحرب " (22) , ومن الأمثلة على ذلك اتهام علي سامي النشار للأوزاعي بأنه كان عميلا لبني أمية لأنه أفتى بقتل غيلان الدمشقي بعد نقاشه له , وفي هذا يقول:" رأى هشام أن يضفي على قتله لغيلان وصاحبه صلح بعض المشروعية , فدفع به إلى الأوزاعي ليناقشه , ويفتي في أمره , وكان الأوزاعي عميلا لبني أمية , عاش في رحابهم , يغذون عليه الأموال ويشترون دينه ودنياه , يدفعون ثمن فتاواه , وهو يحارب مجتمع المسلمين , ويفتي بقتل كل من عبر عن آلام هذا المجتمع " (23) , فالنشار أراد أن يقلل من شأن فتوى الأوزاعي بقتل غيلان فاتهمه بأنه عميل لهشام ولهذا أفتى بهذه الفتوى.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير