قولك:" وأما قولك بأن ترجمته حافلة، فأي ترجمة تقصد؟ أتقصد ترجمة ابنه له في طبقات الشافعية الكبرى؟! التي ملأها ببعض المبالغات! "
أقول بل انظر إلي ترجمته في طبقات الشافعية للإسنوي أو في طبقات الشافعية لابن قاضي شهبة أو في الدرر الكامنة لابن حجر أو في الطراز المذهب لابن الملقن و انظر كيف أثنوا عليه الثناء العطر فهل هم أيضا يبالغون؟
والسيوطي في طبقات النحاة يترجم له في نصف مجلد كما قال في شرحه علي منظومة السبكي في الاشتقاق فهل السيوطي يبالغ أيضا؟
وأما تطويل ابنه التاج في ترجمته فقد أبان سببه وهو إحاطته بغالب أحوال والده وملازمته الشديدة له وقال التاج: و لا يعني هذا أن والده أفضل أهل زمانه بل فيهم من هو أفضل منه فانظر إنصافه في هذا
قولك "أو تقصد كلام تلميذه الصفدي في الوافي بالوفيات؟! الذي أزرى بكثير من العلماء من أجل أن يمدح السبكي؟! وجعلهم جميعا كالعجزة العميان!
ثم العجيب أنه ختم كلامه بقوله: ((وتصانيفه تشهد لي بما ادعيت))
فلكي تعرف شدة مغالاة الصفدي انظر إلى مجموع النووي وتكملته للسبكي، وتأمل بالله عليك الفرق بينهما في الاطلاع على الأقوال وتحرير المذهب."
كلام الصفدي عن السبكي و ثناؤه البالغ و تفضيله إياه علي الكثيرين تجد مثله في تراجم الصفدي في الوافي بالوفيات وفي أعيان العصر لكثير من أهل العلم مثل ابن دقيق العيد و ابن تيمية فالصفدي يري - وهو علي حق - أن أعلم أهل عصره ثلاثة هم ابن دقيق العيد و ابن تيمية والسبكي والمشكلة يا أبا مالك أنك و غيرك لم تقرأ للسبكي إلا أقل القليل ثم تأتي لتحكم عليه فالسبكي له أكثر من مائتي مصنف فهل قرأت عشرها؟
والله لو قرأت تصانيفه لقلت كما قال الصفدي
ولكن عذرك أن تصانيف السبكي غالبها مخطوطة
يا أبا مالك لديّ من تصانيف السبكي العشرات مخطوطة و لما قرأتها و جدته بحرا لا ساحل له
وأنا بصدد إخراجها بمساعدة بعض الإخوة في ذلك
أما تكملة شرح المهذب فماذا فيها هي قريبة مما كتبه النووي وفي ذيل التقييد للفاسي: إنه رأي من يفضل هذه التكملة للمجموع علي ما كتبه الإمام النووي نفسه وناهيك بذلك
قولك: وأما معرفته بعلم الحديث وعلله، فقد أبان ابن عبد الهادي في الصارم المنكي عن أخطائه المنهجية فيه بما هو واضح لمن اطلع على كلام النقاد في هذا الشأن.
أقول: شهد للسبكي بالحفظ و الإمامة في الحديث الحافظ الذهبي كما تقدم و في زغل العلم و الطلب حمد الذهبي الله علي وجود من يفهم الحديث مثل الأئمة ابن تيمية والمزي و السبكي فهل تري الذهبي أيضا مبالغا؟!!
ورد ابن عبد الهادي علي السبكي لا يعني ضعف السبكي في الحديث فالخطأ في الحكم علي حديث لا يعني عدم الإمامة فيه وإلا فليس هناك إمام في الحديث لا في الحديث و لا في القديم!! والسبكي له من المصنفات الحديثية ما يشهد بإمامته فمن ذلك:
رده علي اعتراضات مغلطاي علي تهذيب الكمال للمزي
اختصاره المتقن لأحاديث جامع الأصول
اختصاره لمصابيح السنة للبغوي
منظومته في الحديث
بيانه لنكت تراجم البخاري
ترتيبه لثقات العجلي
قولك "ولست أريد انتقاص السبكي، أو تقليل علمه، فإن هذا لا ينكر، ولكن هذا أيضا لا يعني رفعه فوق قدره بحيث لا يدانيه أحد كما يزعم الصفدي! "
أقول: قد فعلتَ يا أبا مالك سامحك الله تعالي
وأقسم بالله لقد تتبعت كلام و مصنفات أئمة الشافعية من السبكي إلي اليوم فلم أجد أحدا بعده يدانيه في فقه المذهب ولا في علوم الآلة فما من أحد جاء بعده من الشافعية إلا و استفاد من كلامه نقلا أو فهما وكتب المذهب زاخرة بالنقل عنه من الإسنوي و الزركشي و الأذرعي و البلقيني إلي زكريا الأنصاري و الهيتمي و الرملي إلي اليوم و الكل معترف بزخارة بحره و معترف بالاستفادة منه
وتأمل قول ابن حجر العسقلاني عن السبكي:" باشر القضاء بهمة وصرامة وعفة وديانة وكان لا يقع له مسألة مستغربة أو مشكلة إلا ويعمل فيها تصنيفا يجمع فيه شتاتها طال أو قصر وذلك يبين في تصانيفه" فهل هو يبالغ أيضا
أقول للجميع من المذاهب الأربعة:
1 - اذكروا لي عالما بعد السبكي قاربه في فقه البيوع و المعاملات و الأوقاف فله في الأوقاف وحدها 25 مصنفا!!! وله في البيوع و المعاملات ما يقارب خمس مجلدات!!
2 - اذكروا لي عالما لم يستفد مما كتبه السبكي في منع ترميم الكنائس
3 - اذكروا لي عالما بعد السبكي كتب مثل ما كتبه السبكي في مسألة الطلاق لا سيما كتابه:" التحقيق في مسألة التعليق "
4 - اذكروا لي عالما كتب مثل ما كتبه السبكي في أنواع الحكم و في الفرق بين الحكم بالموجب
و بين الحكم بالصحة
5 - اذكروا لي عالما كتب عن ضوابط التقليد و الاجتهاد و التلفيق مثل ما كتب السبكي
6 - اذكروا لي عالما كتب مثل السبكي عن فقه الأنهار وأراضيها و إقطاعاتها!!!!
7 - اذكروا لي عالما كتب مثل ما كتب السبكي في مسألة الأهلة والحساب الفلكي
8 - اذكروا لي عالما كتب مثل ما كتبه السبكي في مسألة تعدد الجمع في بلد واحد
9 - اذكروا لي فقيها كتب في المعضلات النحوية ما كتبه السبكي
10 - اذكروا لي فقيها بعده أعدم كتب الشيعة بنفسه و أفتي بقتل من يجاهر بسب الصحابة رضوان الله عليهم إن لم يتب
اذكروا لي إن وجدتم
لي سبع سنين أدرس المذهب الشافعي باستفاضة ولله الحمد فما رأيت مثله بل هو أجل من جاء من الشافعية بعد الرافعي والنووي رحمهما الله وهو مجتهد مطلق له اختيارات كثيرة خارج المذهب اتباعا للدليل الراجح عنده
فالخلاصة يجب ان نحسن الظن بأئمة الإسلام و إذا كنا نخالف السبكي في بعض مسائل العقيدة فلا يمنع ذلك من بيان سعة علمه و فضله رحمه الله تعالي
أما أن نتهم من أثني عليه من أهل عصره بالمبالغة فذلك غير مرضي فمن عاصر الرجل أدري به منا
والله تعالي أعلم
¥