لا يكافئهم غيرهم من بني هاشم، والدليل عليه كما في التحفة والنهاية وغيرهما خبر مسلم أنه صلى الله عليه وسلم قال: (إن الله اصطفى من العرب كنانة، واصطفى من كنانة قريشًا، واصطفى من قريش بني هاشم) والأحاديث الواردة في فضل العرب وفي فضل قريش وفي فضل بني هاشم كثيرة جدًّا. وقال ابن حجر في
التحفة والرملي في النهاية: أولاد فاطمة لا يكافئهم غيرهم من بقية بني هاشم؛ لأن من خصائصه صلى الله عليه وسلم أن أولاد بناته ينتسبون إليه في الكفاءة وغيرها كالوقف والوصية كما صرحوا به (انتهى) لأنهم أبناؤه كما ثبت في قصة المباهلة في قوله تعالى] نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ [(آل عمران: 61) فإنه ورد أنه خرج
ومعه الحسن والحسين وعلي وفاطمة، وروى الحاكم قال صلى الله عليه وسلم: (لكل بني أم عصبة إلا أبناء فاطمة فأنا وليهم وعصبتهم) وأخرج الترمذي عن أسامة أنه صلى الله عليه وسلم أجلس الحسن والحسين يومًا على فخذيه وقال: (هذان ابناي وابنا بنتي اللهم إني أحبهما فأحبهما) وأخرج الطبراني وغيره أنه صلى الله
عليه وسلم قال: (كل بني أم ينتمون إلى عصبة إلا ولد فاطمة فأنا وليهم وأنا عصبتهم) (انتهى).
فقول الشارع نص، ويترتب عليه أحكام البنوة في الأشباح والأرواح كالحسن والحسين وأولادهما، والتشريف ببعض خصائصه صلى الله عليه وسلم فوجوب الصلاة عليهم ودخولهم في آية التطهير وتحريم الزكاة عليهم وافتراض
محبتهم على الأمة وغير ذلك، ثم اعلم أن الشرف قسمان ذاتي، وصفاتي وقد اصطلح العلماء على أن الشرف الذاتي للنبي صلى الله عليه وسلم، ومنه بالنسبة لذريته فكما كانت ذات النبوة مختارة الله من الوجود فجعلها الله معدنًا لكل نعت محمود، ولم يزل يسري منها في شعبها مظهرها في المعدن، ومع ذلك فقد بلغ
الجليل الكبير في كمال التطهير لها كما قال:] وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً [(الأحزاب: 33) لا بعمل عملوه، ولا بصالح قدموه، بل بسابق عناية من الله لهم فتأثير البَضْعة النبوية لا يدركه أكابر الأولياء من غيرهم، ولو جاهدوا أبد الآباد، ولهذا السر قال الله:] قُل لاَّ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ المَوَدَّةَ فِي القُرْبَى [(الشورى: 23)
إذا عرفت ذلك واتضح لك أن مقام ذات النبوة وقدرها لا يدرك، وعرفت أن الكفاءة عند العرب بل وغيرهم أمر مرعي وقد جاء الشرع في ذلك على موافقة عادتهم وعرفت أن تزويج الأدنى بمن ليس كفوءًا لها ملحق عارًا على عصبتها كما صرح به الفقهاء الواصل ذلك العار عند تزويج الشرائف بغير الأشراف إلى مقامه صلى الله عليه وسلم فحقق لديك أن الجراءة على ذلك إيذاء للنبي صلى الله عليه وسلم ولذريته، وأي إيذاء أعظم من إلحاق العار فقد قال صلى الله عليه وسلم: (من آذى أهل بيتي فقد آذاني ومن آذاني فقد آذى الله) وقال عليه الصلاة والسلام:
(لا تؤذوني في أهل بيتي) ... إلخ، وقال عليه الصلاة والسلام: (احفظوني في أهل بيتي) فإيذاؤهم من أكبر الكبائر ومن استحله كفر فلا يجوز تزويج غير السيد بالسيدة، ولو رضيت وأسقطت الكفاءة أو رضي وليها؛ لأن الحق ليس لهما؛ لأنه شرف ذاتي ليس من كسبهما حتى يسقطاه بل له- صلى الله عليه وسلم - ولكافة أبناء الحسنين، ولو يتصور رضاهم، وقد ثبت أنهم مَوَالٍ على ما سواهم من كافة الخلق بنص حديث: (من كنت مولاه فعلي مولاه) وهل يجوز تزويج العبد مولاته، لا قائل به، بل قد منع خليفة الزمان السلطان عبد الحميد
خان أيده الله تبعًا لسلفه تزويج السيدات بغير السادة، وأمر الخليفة يجب العمل به في المباحات فضلاً عن الموافق للحكم الشرعي. وأما ما نسب إلى الإمام مالك عالم دار الهجرة - رضي الله عنه - أن المسلمين أكفاء فلا يبعد أنه مقول عليه؛ لأنه ثبت عنه أنه امتنع من لبس النعال في المدينة؛ فقال: أستحي أن أطأ بنعلي أرضًا
وطئها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بقدمه فمن استعظم، واستشرف أرضًا وطئها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بقدمه يبيح ويستحل افتراش ووطء بضعته صلى الله عليه وسلم؟ يجل قدره عن ما نسب إليه - رضي الله عنه - وفي هذا القدر كفاية لمن منَّ الله عليه بالهداية، ومن قال بخلاف ما ذكر؛ فإما عدم اطلاع،
¥