ونأخذ في ذكرهم بما أخبر الله تعالى به فقال تعالى: - {وَالَّذِينَ جَاؤُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ} [الحشر، آية 10]، فإن الهفوة والزلل والغضب والحدة والإفراط لا يخلو منه أحد، وهو لهم غفور، ولا يوجب ذلك البراءة منهم، ولا العداوة لهم، ولكن يحب على السابقة الحميدة، ويتولى للمنقبة الشريفة.
-إلى أن قال –: فلا يتتبع هفوات أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وزللهم، ويحفظ عليهم ما يكون منهم في حال الغضب والموجدة إلا مفتون القلب في دينه. (1) "
صـ408
ومما سطره شيخ الإسلام أبو عثمان الصابوني (2) في رسالته " عقيدة أصحاب الحديث ":- " ويرون الكف عما شجر بين أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وتطهير الألسنة عن ذكر ما يتضمن عيباً لهم ونقصاً فيهم، ويرون الترحم على جميعهم، والموالاة لكافتهم، وكذلك يرون تعظيم قدر أزواجه رضي الله عنهن والدعاء لهن، ومعرفة فضلهن، والإقرار بأنهن أمهات المؤمنين. (3) "
وجاء في " العقيدة الواسطية " ما يلي:- " ومن أصول أهل السنة والجماعة سلامة قلوبهم وألسنتهم لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما وصفهم الله به في قوله تعالى: - {وَالَّذِينَ جَاؤُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاًّ لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ} [الحشر، آية 10]، وطاعة النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: " لا تسبوا أصحابي فوالذي نفسي بيده لو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهباً ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه (4) " ويقبلون ما جاء به الكتاب والسنة والإجماع من فضائلهم ومراتبهم. (5) "
ثم قال: - " ويمسكون عما شجر بين الصحابة ويقولون إن هذه الآثار المروية في مساويهم، منها ما هو كذب، ومنها ما قد زيد فيه ونقص وغير عن وجهه، والصحيح منه هم فيه معذرون، إما مجتهدون مصيبون، وإما مجتهدون مخطئون. (6) "
-إلى أن قال – " ثم إن القدر الذي ينكر من فعل بعضهم قليل نزر مغفور في جنب فضائل القوم ومحاسنهم من الإيمان بالله ورسوله والجهاد في سبيله والهجرة والنصرة والعلم النافع والعمل الصالح، ومن نظر في سيرة القوم بعلم وبصيرة وما
صـ409
من الله عليهم به من الفضائل علم يقيناً أنهم خير الخلق بعد الأنبياء، لا كان ولا يكون مثلهم، وأنهم الصفوة من قرون هذه الأمة التي هي خير الأمم وأكرمها على الله. (7) "
وبهذا يعلم عظم منزلة الصحابة رضي الله عنهم، وأنه لا يعدلها شيء، وأن حبهم طاعة وإيمان وبغضهم معصية ونفاق، وأن من أصول أهل السنة سلامة قلوبهم وألسنتهم لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي المقابل فإن بغض الصحابة أو سبهم من صفات المبتدعة كما هو ظاهر – مثلاً – عند الرافضة والخوارج.
2 - وإذا تقرر واجبنا تجاه صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإننا ننتقل إلى الحديث عن حكم سب الصحابة رضي الله عنهم.
وابتداء نذكر بمعنى السب، فهو الشتم وكل كلام قبيح يوجب الإهانة والتنقص والاستخفاف. (1) "
واختلف العلماء فيمن سب الصحابة رضي الله عنهم، وهل يكفر بذلك؟ (2)
وذلك أن سب الصحابة ليس على مرتبة واحدة، بل له مراتب متفاوتة، فإن سب الصحابة أنواع ودركات، فمنها سب يطعن في عدالتهم، ومنها سب لا يوجب الطعن في عدالتهم، وقد يكون السب لجميعهم، وأكثرهم وقد يكون لبعضهم، وهناك سب لمن تواترت النصوص بفضله، ومنهم دون ذلك.
وسنورد جملة من أنواع سب الصحابة رضي الله عنهم مما يعد ناقضاً من نواقض الإيمان على النحو التالي:-
أ - إن كان مستحلاً لسب الصحابة رضي الله عنهم فهو كافر (3)، فمن المعلوم أن جميع الصحابة رضي الله عنهم عدول، وقد أجمع العلماء على عدالتهم، لما جاء في الكتاب والسنة من الثناء الحسن عليهم، المدح لهم ونقل هذا الإجماع
صـ410
جمع كثير من العلماء، منهم النووي حيث يقول:-
" وكلهم عدول رضي الله عنهم، ومتأولون في حروبهم وغيرها، ولم يخرج شيء من ذلك أحداً منهم عن العدالة …
-إلى أن قال – ولهذا اتفق أهل الحق ومن يعتد به في الإجماع على قبول شهاداتهم ورواياتهم، وكمال عدالتهم رضي الله عنهم أجمعين. (4) "
¥