وتوضيحاً لذلك نورد ما قاله العيني، ونقله عن القرطبي (1) صاحب المفهم .. عند شرحه لحديث: - " آية الإيمان حب الأنصار، وآية النفاق بغض الأنصار " " حيث يقول العيني:- " المقصود من الحديث الحث على حب الأنصار، وبيان فضلهم لما كان منهم من إعزاز الدين وبذل الأموال والأنفس والإيثار على أنفسهم والإيواء والنصر وغير ذلك … فحبهم لذلك المعنى محض الإيمان وبغضهم محض النفاق.
وقال القرطبي: - وأما من أبغض والعياذ بالله أحداً منهم من غير تلك الجهة لأمر طارئ من حدث وقع لمخالفة غرض، أو لضرر ونحوه، لم يصر بذلك منافقاً ولا كافراً، فقد وقع بينهم حروب ومخالفات، ومع ذلك لم يحكم بعضهم على بعض بالنفاق، وإنما كان حالهم في ذلك حال المجتهدين في الأحكام. (2) "
وبهذا ندرك خطأ ما قاله ابن حزم عند خطأ من حمل الآية: {لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ .. } على ما استنبطه الإمام مالك (3)، فابن حزم لم يفرق بين الغيظ الذي يوجب خروجاً عن الملة، وبين الغيظ فيما دون ذلك.
ويقول الشيخ محمد بن عبد الوهاب: - " فمن سبهم فقد خالف ما أمر الله من إكرامهم، ومن اعتقد السوء فيهم كلهم أو جمهورهم فقد كذب الله تعالى
صـ430
فيما أخبر من كمالهم وفضلهم ومكذبه كافر. (4) "
وإذا تقرر أن سب الصحابة رضي الله عنهم تكذيب للقرآن الكريم، فإن القول بكفر جمهور الصحابة رضي الله عنهم، أو فسقهم يؤول إلى الشك في القرآن الكريم، والطعن في ثبوته وحفظه؛ لأن الطعن في النقلة طعن في المنقول، ولذا فإن الرافضة لما كفروا جمهور الصحابة، اتبعوا ذلك بدعوى تحريف القرآن الكريم وتبديله.
(ب) أن سب الصحابة رضي الله عنهم يستلزم نسبة الجهل إلى الله تعالى، أو العبث في تلك النصوص الكثيرة التي تقرر الثناء الحسن على الصحابة، وتزكيهم.
ويبين ذلك الشيخ محمد العربي بن التباني المغربي حيث يقول:-
" كيف يؤمن بنصوص القرآن من يكذب بوعده تعالى لهم بالحسنى، وبإعداده لهم المنازل الرفيعة في الجنة، وبرضاه عنهم، ورضاهم عنه بزعمه أنهم قد كفروا وارتدوا عن الإسلام، فعقيدة هذه الطائفة {أي الرافضة} في جل سادات هذه الأمة لا تخرج عن أمرين: - إما نسبة الجهل إليه تعالى، أو العبث في هذه النصوص التي أثنى بها على الصحابة رضوان الله عليهم وتقدس ربنا وتعالى عن ذلك علواً كبيراً، وكلاهما مصيبة كبرى، وذلك لأنه تعالى إن كان عالماً بأنهم سيكفرون فيكون وعده لهم بالحسنى ورضاه عنهم عبثاً، والعبث في حقه تعالى محال، {وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لاعِبِينَ} [الدخان، آية 38]، وإن كان تعالى غير عالم بأنهم سيكفرون ومع ذلك أثنى عليهم ووعدهم بالحسنى فهو جهل، والجهل عليه تعالى محال، ولا خلاف بين كل من يؤمن بالقرآن وله عقل سليم أن نسبة الجهل أو العبث إليه تعالى كفر بواح. (1) "
(ج) من سب الصحابة رضي الله عنهم، ورماهم بالكفر أو الفسق، فقد تنقص الرسول صلى الله عليه وسلم وآذاه؛ لأنهم أصحابه الذين رباهم وزكاهم، ومن المعلوم أن تنقص الرسول صلى الله عليه وسلم كفر وخروج عن الملة. (2) "
صـ431
أخرج الخطيب البغدادي – بسنده – عن أبي زرعة (3) قال: - " إذا رأيت الرجل ينتقص أحداً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فاعلم أنه زنديق، وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عندنا حق، والقرآن حق، وإنما أدى إلينا هذا القرآن والسنن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإنما يريدون أن يجرحوا شهودنا ليبطلوا الكتاب والسنة، والجرح بهم أولى وهم زنادقة. (4) "
ومن أشنع أنواع السب: أن يقذف إحدى أمهات المؤمنين، لما في الوقيعة في أعراضهن من التنقص والمسبة لرسول الله صلى الله عليه وسلم - كما سبق ذكره ? -
ساق اللالكائي (1) بسنده أن الحسن بن زيد (2)، ولما ذكر رجل بحضرته عائشة بذكر قبيح من الفاحشة، فأمر بضرب عنقه، فقال له العلويون: هذا رجل من شيعتنا، فقال: معاذ الله هذا رجل طعن على النبي صلى الله عليه وسلم، قال الله عز وجل: {الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ أُوْلَئِكَ مُبَرَّؤُونَ مِمَّا يَقُولُونَ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ} [النور، آية 26].
¥