تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

جاء الإسلام بعقيدة التوحيد: ليرفع نفوس المسلمين، ويغرس في قلوبهم الشرف والعزة والأنفة والحمية، وليعتق رقابهم من رق العبودية، فلا يذل صغيرهم لكبيرهم، ولا يهاب ضعيفُهم قويَّهم، ولا يكون لذي سلطان بينهم سلطان إلا بالحق والعدل، وقد ترك الإسلام بفضل عقيدة التوحيد ذلك الأثر الصالح في نفوس المسلمين في العصور الأولى، فكانوا ذوي أنفة وعزة، وإباء وغيرة، يضربون على يد الظالم إذا ظلم، ويقولون للسلطان إذا جاوز حده غيرها سلطانه [2]: قف مكانك، ولا تَغْلُ في تقدير مقدار نفسك، فإنما أنت عبد مخلوق لا رب معبود، واعلم أنه لا إله إلا الله.

هذه صورة من صور نفوس المسلمين في عصر التوحيد، أما اليوم وقد داخل عقيدتهم ما داخلها من الشرك الباطن تارة والظاهر أخرى فقد ذلت رقابهم، وخفقت رؤوسهم، وضرعت نفوسهم، وفترت حَمِيَّتُهم، فرضوا بخطة الخسف، واستناموا إلى المنزلة الدنيا، فوجد أعداؤهم السبيل إليهم، فغلبوهم على أمرهم، وملكوا عليهم نفوسهم وأموالهم ومواطنهم وديارهم؛ فأصبحوا من الخاسرين.

والله لن يسترجع المسلمون سالف مجدهم، ولن يبلغوا ما يريدون لأنفسهم من سعادة الحياة وهناءتها إلا إذا استرجعوا قبل ذلك ما أضاعوه من عقيدة التوحيد وإن طلوع الشمس من مغربها، وانصباب ماء النهر في منبعه أقرب من رجوع الإسلام إلى سالف مجده ما دام المسلمون يقفون بين يدي الجيلاني كما يقفون بين يدي الله، ويقولون للأول كما يقولون للثاني: "أنت المتصرف في الكائنات، وأنت سيد الأرضين والسموات".

إن الله أغير على نفسه من أن يسعد أقواماً يزدرونه، ويحقرونه، ويتخذونه وراءهم ظهرياً، فإذا نزلت بهم جائحة، أو ألمت بهم ملمة ذكروا الحجر قبل أن يذكروه، ونادوا الجذع قبل أن ينادوه.

بمن أستغيث؟ وبمن أستنجد؟ ومن الذي أدعوه لهذه الملمة الفادحة؟ أأدعو علماء مصر وهم الذين يتهافتون على "يوم الكنيسة [3] " تهافت الذباب على الشراب؟ أم علماء الآستانة وهم الذين قتلوا جمال الدين الأفغاني فيلسوف الإسلام؛ ليحيوا أبا الهدى الصيادي شيخ الطريقة الرفاعية! أم علماء العجم وهم الذين يحجون إلى قبر الإمام كما يحجون إلى البيت الحرام، أم علماء الهند وبينهم أمثال مؤلف هذا الكتاب؟

يا قادة الأمة ورؤساءها، عَذَرْنا العامة في إشراكها وفساد عقائدها، وقلنا: إن العامي أقصر نظراً، وأضعف بصيرة من أن يتصور الألوهية إلا إذا رآها ماثلة في النصب والأضرحة والقبور، فما عذركم أنتم وأنتم تتلون كتاب الله، وتقرؤون صفاتِه ونعوتَه، وتفهمون معنى قوله -تعالى-: [قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ الْغَيْبَ إِلا اللَّهُ] (النمل: 65)، وقوله مخاطباً نبيه: [قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلا ضَرّاً] (الأعراف: 188)، وقوله [وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى] (الأنفال: 17).

إنكم تقولون في صباحكم ومسائكم وغدوكم ورواحكم:

وكل خير في اتباع من سلف * وكل شر في ابتداع من خلف

فهل تعلمون أن السلف الصالح كانوا يجصصون قبراً، أو يتوسلون بضريح؟ وهل تعلمون أن واحداً منهم وقف عند قبر النبي – صلى الله عليه وسلم - أو قبر أحد من أصحابه وآل بيته، يسأله قضاء حاجة، أو تفريج هَم؟ وهل تعلمون أن الرفاعي والدسوقي والجيلاني والبدوي أكرم عند الله، وأعظم وسيلة إليه من الأنبياء والمرسلين، والصحابة والتابعين؟

وهل تعلمون أن النبي – صلى الله عليه وسلم - حينما نهى عن إقامة الصور والتماثيل نهى عنها عبثاً ولعباً؟ أم مخافة أن تعيد للمسلمين جاهليتهم الأولى؟

وأي فرق بين الصور والتماثيل وبين الأضرحة والقبور، ما دام كل منها يجر إلى الشرك، ويفسد عقيدة التوحيد؟

والله ما جهلتم من هذا، ولكنكم آثرتم الحياة الدنيا على الآخرة؛ فعاقبكم الله على ذلك بسلب نعمتكم، وانتقاض أمركم، وسلط عليكم أعداءكم يسلبون أوطانكم، ويستعبدون رقابكم، ويخربون دياركم، والله شديد العقاب.

مصطفى لطفي المنفلوطي


[1] مؤلفات مصطفى لطفي المنفلوطي الموضوعة الكاملة ص311 - 316.

[2] هكذا في الأصل، ولعل الصواب: إذا جاوز حد غير سلطانه ...

[3] يومٌ يذهب فيه علماء الدين إلى ضريح الإمام الشافعي؛ للتبرك بكنس ترابه.

ـ[صخر]ــــــــ[21 - 02 - 07, 06:58 ص]ـ
رحمه الله

ـ[أبو داوود القاهري]ــــــــ[22 - 02 - 07, 02:03 ص]ـ
رحمة الله عليه

ـ[ابن جندي]ــــــــ[22 - 02 - 07, 04:43 ص]ـ
جزاك الله خيرا و رحم الله المنفلوطي

للفائدة المقالة موجودة في كتاب النَّظرات المجلد الثاني

ـ[فيصل]ــــــــ[26 - 02 - 07, 11:17 م]ـ
جزاك الله خيرا و رحم الله المنفلوطي

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير