ولهذا قال ابن تيمية رحمه الله " الجهمية ومن وافقهم من المعتزلة وغيرهم يقولون لا يقوم بذاته شىء من هذه الصفات ولا غيرها
و الكلابية ومن وافقهم من السالمية وغيرهم يقولون تقوم صفات بغير مشيئته وقدرته فأما ما يكون بمشيئته وقدرته فلا يكون الا مخلوقا منفصلا عنه" مجموع الفتاوى 6\ 217.
فإذا فهمت هذا ارجع و أنبه الى كلام ابن تيمية رحمه الله الذي في بداية الكلام:
يقول: " ومن قال من أتباع الكلابية بأن النداء وغيره من الكلام القديم حروف او حروف وأصوات لازمة لذات الرب كما تقوله السالمية ومن وافقهم يقولون أنه يخلق له ادراكا لتلك الحروف والاصوات والقرآن والسنة وكلام السلف قاطبة يقتضى انه انما ناداه وناجاه حين أتى لم يكن النداء موجودا قبل ذلك فضلا عن أن يكون قديما ازليا" الفتاوى 6\ 223
أشرحها لكي تفهم على وجهها:
"تقوله السالمية ومن وافقهم يقولون أنه يخلق له ادراكا لتلك الحروف والاصوات "
أي أنها أصوات و حروف أزليه ما زالت موجودة ملازمة لذات الرب لم يتكلم بها و عندما جاء زمان الخطاب الذي تتحدث عنه تلك الاصوات مثل " يا موسى اني أنا ربك فاخلع نعليك ... الآية " قالوا خلق ادراكا لموسى " خاص " فسمع ذلك الكلام أو الأصوات الأزلية! في ذلك الحين و ذلك الزمان فقط و الا فالاصوات موجودة منذ الأزل!.
هل قلت أنا بهذا؟
أنا قلت بأن القران موجود كله في اللوح المحفوظ قبل خلق البشر و مسألة النداء فيه هي خطاب من الله لنفسه جل ذكره من حيث المناسبة و من حيث " عدم مخالفة الصدق " بأن يقول " سمعت " وهو " لم يسمع " فانه يناسب العلي القدير الذي يعلم ما لم يقع و قادر على أن يسمع ما لم يقع بقدرته كيف شاء لأن الزمن مخلوق لا يحكم خالقه و لأنه على كل شئ قدير و استشهدت بآية الاستنطاق على أن الله سمع حقيقة من خلقه قبل وجودهم بالولاده! فان قدر على هذه فهو على غيرها قادر و إن جازت في حقه هذه فغيرها في حقه جائز. ثم قلت بأن هذا خطاب القران و تأويله في مرحلة ما قبل التكليف و تبقى مرحلة التكليف و الكلام فيها واضح أنه عندما أوحى الله عز وجل الى أنبيائه فقد تكلم بالقران حقيقة بصوت منجما على الحوادث لجبريل و جبريل نقله إلى رسل ربه و أنبيائه لا خلاف في هذا.
فأين السالمية؟
ثم يقول شيخ الاسلام في كلامه السابق:
" والقرآن والسنة وكلام السلف قاطبة يقتضى انه انما ناداه وناجاه حين أتى لم يكن النداء موجودا قبل ذلك فضلا عن أن يكون قديما ازليا "
و يقصد بذلك أن نداء الله عز وجل ليس أزليا كما تقول السالمية والكلابية من أنه صفة ذاتيه كصفة الحياة أزلي ملازم لذاته و إنما نادى به من ناداهم على الحقيقة بـ " فعل حادث " لم يكون موجود سابقا و " صوت حادث " في وقوعه لم يكن موجدا من قبل.
و أنا لا أخالف في هذا و كلامي لا ينافي هذا فأنا قلت بأن خطابات النداء في القران هي من جنس خطاب الشخص نفسه في مرحلة ما قبل التكليف و الوجود للبشر و المخاطبين لأن القران في اللوح المحفوظ و لا بد من حقيقة لما في اللوح.
فالله العالم بأن فلان سوف يخلق و سوف يناديه و القادر على أن يسمع ما كان و ما لم يكن " ومن يخالف في هذا فقد قدح في قدرة الله " - يخاطب نفسه بكلامه " قد سمع الله قول التي تجادلك ... الآية " فليس في هذا محذور شرعي و إن وجد فأوقفوني عليه؟ وليس في هذا ما لا تقبله أحوال لغة العرب فإن وجد فأوقفوني عليه؟
و من ظن أن كلام ابن تيمية رحمه الله في قوله " انما ناداه وناجاه حين أتى لم يكن النداء موجودا قبل ذلك فضلا عن أن يكون قديما ازليا" قول بأن كل نداءات القران ليست موجودة قبل حدوث دواعيها فهو ينسب إلى شيخ الاسلام الجهل بمذهب أهل السنة والجماعة لأن الاخوان نقلوا في بداية الموضوع أن " قول جمهور السلف أن القران كله في اللوح المحفوظ " فكيف تكون هذه النداءات غير موجودة قبل حدوثها حسب كلام ابن تيمية رحمه الله عند أهل السنة قاطبه و جمهورهم على أنها في اللوح المحفوظ؟؟
عندها ستعلم أن المقصود بالوجود هنا هو " فعل الكلام للمنادى والمخاطب ".
و أنا لا أخالف في هذا فالله ما نادى الا عندما و جد من يناديه و لكنه كتب النداء في اللوح المحفوظ و خاطب به نفسه في مرحلة ما قبل الخلق و التكليف على الوجه الذي ذكرت في سابق ردودي كيف شاء بصوت أو غير صوت لمناسبة تمام صدق خطابه في كتابه تبارك و تعالى.
فلو أنك علمت أن فلان سيدخل عليك غاضبا فكتبت في ورقة " يا فلان استعذ بالله من الشيطان الرجيم " فتركتها له في البيت و خرجت ثم عدت فوجدته فقلتها له خطابا و بصوت؟
فهذا بالنسبة لك جائز! و بالنسبة إلى الله لا يجوز؟
أنت كتبت بعلمك و ناديت بعلمك و الله كتب بعلمه و نادى بعلمه! و أنت كتبت في ورقة والله كتب في اللوح المحفوظ ثم تكلم بصوته و قدرته و مشيئته؟
نجيزها لنا و ننكرها لله؟ أهكذا يعظم الله؟
غير أن الله سبحانه لم يكن ثمة موجود يخاطبه بذلك فقلت ما قلت من خطابه لذاته مع أن خطابه تعالى لغير الموجود ليس منفيا مطلقا فقد قال تعالى " إنا لما طغى الماء حملناكم في الجارية " و قال " يا بني آدم لا يفتننكم الشيطان كما أخرج ابويكم من الجنة " فهو خطاب لهم إلى يوم القيامة!.
الله لا يعظم بالجهل به!. هذه أول قاعدة في علم العقيدة يجب على كل معظم لله أن يفهم حقيقتها.
و الله أعلم و أحكم و هو حسبنا و نعم الوكيل.
و لم يعد لدي مزيد قول و لا مزيد شرح.
¥