تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ويوضح ابن جرير معنى هذا الحديث بقوله: (فكان فعله -أي الذي تزوج امرأة أبيه- ذلك من أدل الدليل على تكذيبه رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما أتاه به عن الله تعالى، وجحوده آية محكمة في تنزيله، فكان بذلك من فعله حكم القتل وضرب العنق، فلذلك أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتله وضرب عنقه، لأن ذلك كان سنته في المرتد عن الإسلام) (تهذيب الآثار 2/ 148)، فصرح ابن جرير رحمه الله تعالى أن فعل هذا الرجل استحلال لما حرم الله، وتكذيب لرسول الله صلى الله عليه وسلم فعلم أن الاستحلال ليس محصوراً باللسان فقط، فإن فعل ذلك الرجل استحلال أوجب كفره وقتله، وكذا الجحود ليس محصوراً على تكذيب ما فرض الله تعالى، بل يتناول الجحود -أيضاً- الامتناع عن الإقرار والالتزام كما بين ذلك شيخ الإسلام في مجموع الفتاوى (7/ 530، 20/ 98) وانظر رسالة ظاهرة الإرجاء للحوالي (158 - 162)

2 - ادعى العنبري أن الكفر العملي لا يخرج من الملة إلا إذا دلَّ على الجحود والتكذيب، أو الاستخفاف والاستهانة والعناد وعدم الانقياد كالسجود للأصنام والاستهانة بالمصاحف كما في (ص/61) من كتابه، والجواب عن ذلك:

أ- أن هذه الأعمال المذكورة -السجود للأصنام والاستهانة بالمصاحف- كفر في حد ذاتها وأما تعليقها بما اشترطه العنبري فلا دليل على ذلك، فالسجود للأصنام شرك يناقض توحيد العبادة، وقد أجمع العلماء على أن من صرف عبادة لغير الله تعالى فهو كافر، دون تقييدات العنبري، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: (فإنا بعد معرفة ما جاء به الرسل نعلم بالضرورة أنه لم يشرع لأمته أن تدعو أحداً من الأموات، ولا الأنبياء، والصالحين .. كما أنه لم يشرع لأمته السجود لميت، ولا لغير ميت ونحو ذلك، بل نهى عن كل هذه الأمور، وإن ذلك من الشرك الذي حرمه الله تعالى ورسوله) (الرد على البكري ص/376).

وجاء في الفتاوى البزازية: (والسجود لهؤلاء الجبابرة كفر .. ) (6/ 343). ولما أورد الرملي -من فقهاء الشافعية- أنواع الردة .. كان مما قاله: (السجود لصنم أو شمس أو مخلوق آخر، لأنه أثبت لله شريكاً) (نهاية المحتاج 7/ 417).

وقال القاضي عياض: (وكذلك نكفِّر بكل فعل أجمع المسلمون أنه لا يصدر إلا من كافر .. كالسجود للصنم وللشمس والقمر والصليب والنار) (الشفا 2/ 1072)

وبالنظر إلى أقوال هؤلاء العلماء -من المذاهب الأربعة- يظهر أن السجود للصنم كفر دون تقييدات الكاتب وتكلفاته، وكذا الاستهانة بالمصحف كفر في حد ذاته كما هو مبسوط في كتب الاعتقاد، وكتب الفقه في باب حكم المرتد، ومن ذلك ما ذكره الدردير -من علماء المالكية- في موجبات الردة حيث قال: (إلقاء مصحف أو بعضه .. ومثل إلقائه تركه بمكان قذر أو تلطيخه به .. ) (الشرح الصغير 6/ 145)، وعدَّ البهوتي من نواقض الإسلام ما يأتي: (أو وجد منه امتهان القرآن .. أو إسقاط حرمته) (كشاف القناع 6/ 137).

ب- مقالة العنبري بأن الكفر العملي لا يخرج من الملة إلا إذا دل على الجحود .. تشبه مقالة غلاة المرجئة من أصحاب أبي معاذ التومني القائل: (من قتل نبياً أو لطمه كفر، وليس من أجل اللطمة كفر، ولكن من أجل الاستخفاف والعداوة والبغض له) (انظر مجموع الفتاوى 7/ 547) فما الفرق بين مقالة التومني المرجئ وبين مقالة العنبري؟ ‍‍‍

ج- أن العنبري نقل تقسيم ابن القيم -رحمه الله- كفر العمل إلى قسمين، فقسم يضاد الإيمان، وآخر لا يضاده، فالسجود للصنم والاستهانة بالمصحف، وقتل النبي وسبه يضاد الإيمان -انظر الكتاب المذكور (ص/50)، وكتاب الصلاة لابن القيم (ص/55).

فالإمام ابن القيم رحمه الله جعل السجود للصنم والاستهانة بالمصحف كفراً عملياً مخرجاً من الملة دون شروط العنبري .. أفلا وسع العنبري أن يلزم فهم ابن القيم دون هذه التجاوزات؟

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير