تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

د- أساء العنبري في نقله لكلام ابن القيم، فحذف كلاماً طويلاً ومهماً في بيان الكفر العملي دون أي إشارة تفيد الحذف أو التصرف ‍فأين التجرد والأمانة في النقل؟ وسنورد كلام ابن القيم في الكفر الذي قد يخرج من الملة دون ما اشترطه العنبري: (وقد سمي الله سبحانه وتعالى من عمل ببعض كتابه وترك العمل ببعضه مؤمناً بما عمل به، وكافر بما ترك العمل به، فقال تعالى: ((وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ لاَ تَسْفِكُونَ دِمَاءكُمْ وَلاَ تُخْرِجُونَ أَنفُسَكُم مِّن دِيَارِكُمْ ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ وَأَنتُمْ تَشْهَدُونَ * ثُمَّ أَنتُمْ هَؤُلاء تَقْتُلُونَ أَنفُسَكُمْ وَتُخْرِجُونَ فَرِيقاً مِّنكُم مِّن دِيَارِهِمْ تَظَاهَرُونَ عَلَيْهِم بِالإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَإِن يَأتُوكُمْ أُسَارَى تُفَادُوهُمْ وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ إِخْرَاجُهُمْ أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاء مَن يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنكُمْ إِلاَّ خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ)) (البقرة: 84 - 85).

فأخبر سبحانه أنهم أقروا بميثاقه الذي أمرهم به، والتزموه، وهذا يدل على تصديقهم به أنهم لا يقتل بعضهم بعضاً، ولا يخرج بعضهم بعضاً من ديارهم، ثم أخبر أنهم عصوا أمره، وقتل فريق منهم فريقاً، وأخرجوهم من ديارهم فهذا كفرهم بما أخذ عليهم في الكتاب، ثم أخبر أنهم يفدون من أسر من ذلك الفريق، وهذا إيمان منهم بما أخذ عليهم في الكتاب، فكانوا مؤمنين بما عملوا به من الميثاق، كافرين بما تركوا منه) (كتاب الصلاة ص/55 - 56 تحقيق زعيتر).

3 - تجاهل العنبري الفرق بين من فعل المعصية مشتهياً -كحال عصاة الموحدين- وبين من فعلها إباءً وتكبراً، فأراد أن يجعل حالهما واحداً، وجعل القسمة ثنائية -على حد دعواه- فإما أن يفعل المعصية مستحلاً لها فهذا هو الكافر، وإما أن يفعلها غير مستحل لها فهذا العاصي، إضافة إلى ما سبق التنبيه عليه من حصره الاستحلال في التكذيب باللسان، ومما يدل على تجاهله، وقلة فهمه أنه نقل كلام شيخ الإسلام دون أن يلتزم به، حيث فرق شيخ الإسلام بين من فعل المعصية مستحلاً فهذا كافر لوقوعه فيما يضاد قول القلب (التصديق)، وبين من فعل المعصية إباءاً واستكباراً وإن اعتقد حرمتها فهذا كافر لانتفاء عمل القلب (الانقياد والخضوع)، وبين من فعل المعصية مشتهياً فهذا من عصاة الموحدين، وإليك كلام شيخ الإسلام في توضيح ذلك: (إن العبد إذا فعل الذنب مع اعتقاد أن الله حرمه عليه، واعتقاد انقياده لله فيما حرمه وأوجبه فهذا ليس بكافر، فأما إن اعتقد أن الله لم يحرِّمه أو أنه حرَّمه لكن امتنع من قبول هذا التحريم وأبى أن يذعن لله وينقاد فهو إما جاحد أو معاند، ولهذا قالوا من عصى مستكبراً كإبليس كفر بالاتفاق، ومن عصى مشتهياً لم يكفر عند أهل الإسلام والجماعة وإنما يكفره الخوارج فإن العاصي المستكبر وإن كان مصدقاً بأن الله ربه، فإن معاندته له ومحادته تنافي هذا التصديق.

وبيان هذا أن من فعل المحارم مستحلاً لها فهو كافر بالاتفاق، فإنه ما آمن بالقرآن من استحل محارمه، وكذلك لو استحلها بغير فعل، والاستحلال اعتقاد أنها حلال له، وذلك يكون تارة باعتقاد أن الله أحلها، وتارة باعتقاد أن الله لم يحرمها، وتارة بعدم اعتقاد أن الله حرمها، وهذا يكون لخلل في الإيمان بالربوبية أو لخلل في الإيمان بالرسالة، ويكون جحداً محضاً غير مبني على مقدمة، وتارة يعلم أن الله حرمها، ويعلم أن الرسول إنما حرم ما حرمه الله، ثم يمتنع عن التزام هذا التحريم، ويعاند المحرم، فهذا أشد كفراً ممن قبله، وقد يكون هذا مع علمه بأن من لم يلتزم هذا التحريم عاقبه الله وعذبه، ثم إن هذا الامتناع والإباء إما لخلل في اعتقاد حكمة الآمر وقدرته، فيعود هذا إلى عدم التصديق بصفة من صفاته، وقد يكون مع العلم بجميع ما يصدق به تمرداً واتباعاً لغرض النفس، وحقيقته كفر، هذا لأنه يعترف لله ورسوله بكل ما أخبر به ويصدق بكل ما يصدق به المؤمنون، لكنه يكره ذلك ويبغضه ويسخطه لعدم موافقته لمراده ومشتهاه، ويقول: أنا لا أقر بذلك ولا ألتزمه وأُبغض هذا الحق وأنفر عنه، فهذا نوع غير النوع الأول، وتكفير

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير