تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

إحداهما: في الظلم الذي حرمه الله على نفسه، ونفاه عن نفسه بقوله: {وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ} [هود: 101]، وقوله: {وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا} [الكهف: 49]، وقوله: {وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ} [

فصلت: 46]، وقوله: {إِنَّ اللّهَ لاَ يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِن تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا} [النساء: 40]، وقوله: {قُلْ مَتَاعُ الدَّنْيَا قَلِيلٌ وَالآخِرَةُ خَيْرٌ لِّمَنِ اتَّقَى وَلاَ تُظْلَمُونَ فَتِيلًا} [النساء: 77]، ونفي إرادته بقوله: {وَمَا اللّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِّلْعَالَمِينَ} [آل عمران: 108]، وقوله: {وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِّلْعِبَادِ} [غافر: 31]، ونفي خوف العباد له بقوله: {وَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَا يَخَافُ ظُلْمًا وَلَا هَضْمًا} [طه: 112]، فإن الناس تنازعوا في معنى هذا الظلم تنازعًا صاروا فيه بين طرفين متباعدين ووسط بينهما، وخيار الأمور أوساطها، وذلك بسبب البحث في القدر ومجامعته للشرع؛ إذ الخوض في ذلك بغير علم تام أوجب ضلال عامة الأمم؛ ولهذا نهى النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه عن التنازع فيه.

فذهب المكذبون بالقدر القائلون: بأن الله لم يخلق أفعال العباد، ولم يرد أن يكون إلا ما أمر بأن يكون. وغلاتهم المكذبون بتقدم علم الله وكتابه بما سيكون من أفعال العباد من المعتزلة وغيرهم، إلى أن الظلم منه هو نظير الظلم من الآدميين بعضهم لبعض، وشبهوه ومثلوه في الأفعال بأفعال العباد، حتى كانوا هم ممثلة الأفعال، وضربوا لله الأمثال، ولم يجعلوا له المثل الأعلى، بل أوجبوا عليه وحرموا ما رأوا أنه يجب على العباد ويحرم، بقياسه على العباد، وإثبات الحكم في الأصل بالرأي، وقالوا عن هذا: إذا أمر العبد ولم يعنه بجميع ما يقدر عليه من وجوه الإعانة كان ظالمًا له، والتزموا أنه لا يقدر أن يهدي ضالًا، كما قالوا: إنه لا يقدر أن يضل مهتديا، وقالوا عن هذا: إذا أمر اثنين بأمر واحد وخص أحدهما بإعانته على فعل المأمور كان ظالمًا، إلى أمثال ذلك من الأمور التي هي من باب الفضل والإحسان، جعلوا تركه لها ظلمًا.

وكذلك ظنوا أن التعذيب لمن كان فعله مقدرًا ظلم له، ولم يفرقوا بين التعذيب لمن قام به سبب استحقاق ذلك ومن لم يقم، وإن كان ذلك الاستحقاق خلقه لحكمة أخرى عامة أو خاصة.

وهذا الموضع زلت فيه أقدام، وضلت فيه أفهام، فعارض هؤلاء آخرون من أهل الكلام المثبتين للقدر، فقالوا: ليس للظلم منه حقيقة يمكن وجودها، بل هو من الأمور الممتنعة لذاتها، فلا يجوز أن يكون مقدورًا ولا أن يقال: إنه هو تارك له باختياره ومشيئته. وإنما هو من باب الجمع بين الضدين، وجعل الجسم الواحد في مكانين، وقلب القديم محدثًا، والمحدث قديمًا، وإلا فمهما قدر في الذهن وكان وجوده ممكنًا والله قادر عليه فليس بظلم منه، سواء فعله أو لم يفعله.

وتلقي هذا القول عن هؤلاء طوائف من أهل الإثبات من الفقهاء وأهل الحديث، من أصحاب مالك والشافعي وأحمد وغيرهم، ومن شراح الحديث ونحوهم، وفسروا هذا الحديث بما ينبني على هذا القول، وربما تعلقوا بظاهر من أقوال مأثورة، كما روينا عن إياس ابن معاوية أنه قال: ما ناظرت بعقلي كله أحدًا إلا القدرية، قلت لهم: ما الظلم؟ قالوا: أن تأخذ ما ليس لك، أو أن تتصرف فيما ليس لك. قلت: فلله كل شيء. وليس هذا من إياس إلا ليبين أن التصرفات الواقعة هي في ملكه، فلا يكون ظلمًا بموجب حدهم، وهذا مما لا نزاع بين أهل الإثبات فيه؛ فإنهم متفقون مع أهل الإيمان بالقدر على أن كل ما فعله الله فهو عدل.

وفي حديث الكرب الذي رواه الإمام أحمد عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما أصاب عبدًا قط هم ولا حزن فقال: اللهم إني عبدك ابن عبدك ابن أمتك، ناصيتي بيدك، ماضٍ في حكمك، عدل في قضاؤك، أسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك، أو أنزلته في كتابك، أو علمته أحدًا من خلقك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك، أن تجعل القرآن ربيع قلبي، ونور صدري، وجلاء حزني، وذهاب همي وغمي، إلا أذهب الله همه وغمه، وأبدله مكانه فرحًا). قالوا: يا رسول الله، أفلا نتعلمهن؟ قال: (بلى ينبغي لمن سمعهن أن يتعلمهن)، فقد

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير