تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وأما هذه الجملة الثانية وهي قوله: (وجعلته بينكم محرمًا، فلا تظالموا) فإنها تجمع الدين كله؛ فإن ما نهي اللّه عنه راجع إلى الظلم، وكل ما أمر به راجع إلى العدل؛ ولهذا قال تعالى: {لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ} [الحديد: 25] فأخبر أنه أرسل الرسل، وأنزل الكتاب والميزان؛ لأجل قيام الناس بالقسط. وذكر أنه أنزل الحديد الذي به ينصر هذا الحق، فالكتاب يهدي والسيف ينصر، وكفي بربك هاديا ونصيرًا.

ولهذا كان قوام الناس بأهل الكتاب وأهل الحديد، كما قال من قال من السلف: صنفان إذا صلحوا صلح الناس: الأمراء والعلماء. وقالوا في قوله تعالى: {أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ} [النساء: 59]، أقوالا تجمع العلماء والأمراء؛ ولهذا نص الإمام أحمد وغيره على دخول الصنفين في هذه الآية؛ إذ كل منهما تجب طاعته فيما يقوم به من طاعة اللّه، وكان نواب رسول اللّه صلى الله عليه وسلم في حياته؛ كعلي، ومعاذ، وأبي موسي، وعتاب بن أسيد، وعثمان بن أبي العاص، وأمثالهم، يجمعون الصنفين. وكذلك خلفاؤه من بعده؛ كأبي بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، ونوابهم.

ولهذا كانت السنة أن الذي يصلي بالناس صاحب الكتاب، والذي يقوم بالجهاد صاحب الحديد. إلى أن تفرق الأمر بعد ذلك، فإذا تفرق صار كل من قام بأمر الحرب من جهاد الكفار وعقوبات الفجار يجب أن يطاع فيما يأمر به من طاعة اللّه في ذلك، وكذلك من قام بجمع الأموال وقسمها يجب أن يطاع فيما يأمر به من طاعة اللّه في ذلك، وكذلك من قام بالكتاب بتبليغ أخباره وأوامره وبيانها يجب أن يصدق ويطاع فيما أخبر به من الصدق في ذلك، وفيما يأمر به من طاعة اللّه في ذلك.

والمقصود هنا أن المقصود بذلك كله هو أن يقوم الناس بالقسط؛ ولهذا لما كان المشركون يحرمون أشياء ما أنزل الله بها من سلطان، ويأمرون بأشياء ما أنزل الله بها من سلطان، أنزل الله في سورة الأنعام والأعراف وغيرهما يذمهم على ذلك، وذكر ما أمر به هو وما حرمه هو فقال: {قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ وَأَقِيمُواْ وُجُوهَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} [الأعراف: 29]، وقال تعالى: {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَن تُشْرِكُواْ بِاللّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَن تَقُولُواْ على اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ} [الأعراف: 33].

وهذه الآية تجمع أنواع المحرمات كما قد بيناه في غير هذا الموضع. وتلك الآية تجمع أنواع الواجبات كما بيناه أيضًا، وقوله: {أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ وَأَقِيمُواْ وُجُوهَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} [الأعراف: 29]، أمر مع القسط بالتوحيد الذي هو عبادة الله وحده لا شريك له، وهذا أصل الدين، وضده هو الذنب الذي لا يغفر، قال تعالى: {إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء} [النساء: 48]، وهو الدين الذي أمر الله به جميع الرسل، وأرسلهم به إلى جميع الأمم، قال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلَّا نُوحِي إليه أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ} [الأنبياء: 25]، وقال تعالى: {وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رُّسُلِنَا أَجَعَلْنَا مِن دُونِ الرَّحْمَنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ} [الزخرف: 45] وقال تعالى: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولًا أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ} [النحل: 36]، وقال تعالى: {شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وصى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إليكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَي وَعِيسَي أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ} [الشوري: 13]، وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير