تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عليمٌ وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ} [المؤمنون: 51، 52].

ولهذا ترجم البخاري في صحيحه [باب ما جاء في أن دين الأنبياء واحد] وذكر الحديث الصحيح في ذلك، وهو الإسلام العام الذي اتفق عليه جميع النبيين. قال نوح عليه السلام: {وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ} [يونس: 72] وقال تعالى في قصة إبراهيم: {إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ وَوَصَّي بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللّهَ اصْطَفَي لَكُمُ الدِّينَ فَلاَ تَمُوتُنَّ إَلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ} [البقرة: 131، 132]، {وَقَالَ مُوسَي يَا قَوْمِ إِن كُنتُمْ آمَنتُم بِاللّهِ فَعليه تَوَكَّلُواْ إِن كُنتُم مُّسْلِمِينَ} [يونس: 84]، و قال تعالى: {قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنصَارُ اللّهِ آمَنَّا بِاللّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ} [آل عمران: 52]. وقال في قصة بلقيس: {رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [النمل: 44]، وقال: {إِنَّا أَنزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًي وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُواْ لِلَّذِينَ هَادُواْ} [المائدة: 44].

وهذا التوحيد - الذي هو أصل الدين-هو أعظم العدل، وضده وهو الشرك أعظم الظلم، كما أخرجا في الصحيحين عن عبد الله بن مسعود قال: لما نزلت هذه الآية: {الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ} [الأنعام: 82]، شق ذلك على أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وقالوا: أينا لم يظلم نفسه؟ فقال: (ألم تسمعوا إلى قول العبد الصالح: إن الشرك لظلم عظيم)؟. وفي الصحيحين عن ابن مسعود قال: قلت: يا رسول الله، أي الذنب أعظم؟ قال: (أن تجعل لله نِدّا وهو خلقك) قلت: ثم أي؟ قال: (ثم أن تقتل ولدك خشية أن يُطْعَم معك) قلت: ثم أي؟ قال: (أن تُزَاني بحليلة جارك). فأنزل الله تصديق ذلك: {وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ} الآية [الفرقان: 68].

وقد جاء عن غير واحد من السلف، وروي مرفوعًا (الظلم ثلاثة دواوين: فديوان لا يغفر الله منه شيئًا، وديوان لا يترك الله منه شيئًا، وديوان لا يعبأ الله به شيئًا؛ فأما الديوان الذي لا يغفر الله منه شيئًا فهو الشرك؛ فإن الله لا يغفر أن يشرك به. وأما الديوان الذي لا يترك الله منه شيئًا فهو ظلم العباد بعضهم بعضًا؛ فإن الله لابد أن ينصف المظلوم من الظالم. وأما الديوان الذي لا يعبأ الله به شيئًا فهو ظلم العبد نفسه فيما بينه وبين ربه) أي: مغفرة هذا الضرب ممكنة بدون رضا الخلق؛ فإن شاء عذب هذا الظالم لنفسه وإن شاء غفر له.

وقد بسطنا الكلام في هذه الأبواب الشريفة والأصول الجامعة في القواعد، وبينا أنواع الظلم، وبينا كيف كان الشرك أعظم أنواع الظلم، ومسمي الشرك جليله ودقيقه؛ فقد جاء في الحديث: (الشرك في هذه الأمة أخفي من دبيب النمل). وروي أن هذه الآية نزلت في أهل الرياء {فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا} [الكهف: 110]، وكان شداد بن أوس يقول: يا بقايا العرب، يا بقايا العرب، إنما أخاف عليكم الرياء والشهوة الخفية. قال أبو داود السجستاني ـ صاحب السنن المشهورة ـ: الخفية حب الرياسة. وذلك أن حب الرياسة هو أصل البغي والظلم، كما أن الرياء هو من جنس الشرك أو مبدأ الشرك.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير