تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

والشرك أعظم الفساد كما أن التوحيد أعظم الصلاح؛ ولهذا قال تعالى: {إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِّنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ} [القصص: 4]، إلى أن ختم السورة بقوله: {تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا} [القصص: 83]، وقال: {وَقَضَيْنَا إلى بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا} [الإسراء: 4]، وقال: {مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا على بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا} [المائدة: 32]، وقالت الملائكة: {أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء} [البقرة: 30].

فأصل الصلاح: التوحيد والإيمان، وأصل الفساد: الشرك والكفر. كما قال عن المنافقين: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ قَالُواْ إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِن لاَّ يَشْعُرُونَ} [البقرة: 11، 12]، وذلك أن صلاح كل شيء أن يكون بحيث يحصل له وبه المقصود الذي يراد منه؛ ولهذا يقول الفقهاء: العقد الصحيح ما ترتب عليه أثره وحصل به مقصوده. والفاسد ما لم يترتب عليه أثره ولم يحصل به مقصود، والصحيح المقابل للفاسد في اصطلاحهم هو الصالح.

وكان يكثر في كلام السلف: هذا لا يصلح أو يصلح، كما كثر في كلام المتأخرين يصح ولا يصح، والله تعالى إنما خلق الإنسان لعبادته، وبدنه تَبَعٌُ لقلبه، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: (ألا إن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح لها سائر الجسد. وإذا فسدت فسد لها سائر الجسد، ألا وهي القلب) وصلاح القلب: في أن يحصل له وبه المقصود الذي خلق له من معرفة الله ومحبته وتعظيمه، وفساده في ضد ذلك. فلا صلاح للقلوب بدون ذلك قط.

والقلب له قوتان: العلم، والقصد. كما أن للبدن الحس، والحركة الإرادية، فكما أنه متي خرجت قوي الحس والحركة عن الحال الفطري الطبيعي فَسَدت. فإذا خرج القلب عن الحال الفطرية التي يولد عليها كل مولود وهي أن يكون مقرًا لربه، مريدًا له، فيكون هو منتهي قصده وإرادته وذلك هي العبادة؛ إذ العبادة: كمال الحب بكمال الذل، فمتي لم تكن حركة القلب ووجهه وإرادته لله تعالى كان فاسدًا؛ إما بأن يكون معرضًا عن الله وعن ذكره غافلًا عن ذلك مع تكذيب أو بدون تكذيب، أو بأن يكون له ذكر وشعور، ولكن قصده وإرادته غيره؛ لكون الذكر ضعيفًا لم يجتذب القلب إلى إرادة الله ومحبته وعبادته. وإلا فمتي قوي علم القلب وذكره أوجب قصده وعلمه، قال تعالى: {فَأَعْرِضْ عَن مَّن تَوَلَّي عَن ذِكْرِنَا وَلَمْ يُرِدْ إِلَّا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا ذَلِكَ مَبْلَغُهُم مِّنَ الْعِلْمِ} [النجم: 29، 30]، فأمر نبيه بأن يعرض عمن كان معرضًا عن ذكر الله، ولم يكن له مراد إلا ما يكون في الدنيا.

وهذه حال من فسد قلبه، ولم يذكر ربه، ولم ينب إليه، فيريد وجهه ويخلص له الدين. ثم قال: {ذَلِكَ مَبْلَغُهُم مِّنَ الْعِلْمِ} [النجم: 30] فأخبر أنهم لم يحصل لهم علم فوق ما يكون في الدنيا، فهي أكبر همهم ومبلغ علمهم. وأما المؤمن فأكبر همه هو الله، وإليه انتهي علمه وذكره. وهذا الآن باب واسع عظيم قد تكلمنا عليه في مواضعه.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير