تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

النتيجة الأولى التي يخرج بها المتابع للانتخابات البلدية في منطقة الرياض: الليبراليون السعوديون لا يمثلون إلا أنفسهم، وليسوا سوى بضعة آلاف لا تقدر على إدارة نفسها، ولا تجد من يقدر مشروعها! والأعجب أنهم لم يقتنعوا طوال الفترة الماضية بقلتهم التي لا تستند إلى قاعدة شعبية، ولا تلقى حتى مجرد التعاطف من غير المقترنين بمشروعها. ولعل نتيجة الانتخابات تزيح الغشاوة عن أعينهم، ليروا الحقيقة التي طالما رفضوا الاقتناع بها، وحاولوا ترويج مقولة «الغالبية الصامتة»، وهي مقولة كان مطلقوها يزعمون وجود غالبية في المجتمع السعودي تؤمن بدورهم، ولكنها لا تجرؤ على الإعلان عن ذلك، خشية رد فعل الإسلاميين.

الآن، وقد انتهت نتائج الاقتراع، وخرجوا بنتيجة صفرية، هل سيقتنعون بعدم وجود مثل تلك الغالبية الصامتة التي كانوا يتخيلونها؟

عليهم أن يعرفوا حقيقة مستوى أدائهم ومكانتهم في الداخل، فتلك الغالبية الصامتة التي كانوا يراهنون عليها جانبتهم تماماً وذهبت إلى الجانب الآخر - المرشحين الإسلاميين - مع أن أحداً لم يجبر تلك الغالبية المصوتة على سلوك الطريق إلى صندوق الاقتراع، أو أرهبها من مغبة التصريح بأي رؤية هي ربيبة لذلك لتيار.

الانتخابات في الرياض كانت صادقة، ومرآة صافية تعكس واقع المجتمع المحافظ، فليبرالي واحد لم يتمكن من الوصول إلى المجلس منتخباً من أهل المدينة، والآن ليس أمام الفئة الخاسرة إلا أن يكون من نصيبها أحد المقاعد السبعة المنتظرة في قرار التعيين من السلطة السياسية.

والحقيقة التي يحاول تجاهلها بعضهم، هي أن المجتمع السعودي متدين بالفطرة، وهذا التدين قد لا يكون تديناً إسلامياً، بقدر ما هو تدين اجتماعي، ومن شأن هؤلاء المتدينين اجتماعياً، إن خُيروا بين فريقين أحدهما ليبرالي، وآخر إسلامي، فبكل تأكيد سيجنحون إلى الأخير، لأنه الأقرب إلى نمطهم الاجتماعي المحافظ، وإن كان متشدداً بالنسبة إلى هذا النمط، إلا أنه لن يقبل فكر آخر يجهله كلياً.

أزمة الليبراليين السعوديين أن المجتمع لا يثق في مشروعهم، وقد لا يكون ذلك لسلبيته، بقدر ما هو عجز في الأسلوب والخطاب المسوق له. وهذا المجتمع بطبيعته يصعب اختراقه، وعمل كهذا يحتاج إلى تكتيكات معينة لم يتبنها الحراك الليبرالي يوماً، بل يذهب هذا الحراك في كثير من آلياته مذهباً صدامياً مع الثوابت الاجتماعية. وبعيدا عن صدق هذه الثوابت من عدمها فإن التعرض لها بذلك الفعل الصدامي لا ريب أنه سيحدث رداً سلبياً، يوفر فرص النجاح أمام الطرف الآخر في السباق - الإسلاميين - من خلال تجييش المجتمع ضد الأفكار الليبرالية، وإقناعهم بأن ما ينادي به الجانب الليبرالي ما هو إلا تغريباً للمجتمع، ولذا لا غرابة من تغلغل عبارات داخل المجتمع تشتغل على إقصاء الليبرالي، تحمله تهمة «العمالة للغرب»، وهي التهمة غير السليمة، ولكنها متداولة على كل حال.

وعلى رغم أن الأقليات في السعودية - من حيث الانحدار الجغرافي - أثبتت قدرتها على التنظيم لمشروعها وتحقيق مكتسبات في سباق الانتخابات، وهذه حال عامة في ثقافة الأقليات، إلا أن الحال لم تكن كذلك في وضع الأقلية الليبرالية، إذغاب عنها التنظيم، وافتقدت الرؤية السليمة في استدراج أصوات الناخبين.

على الضفة الأخرى أثبت الإسلاميون أنهم كائنات سياسية تجيد الفنون التنظيمية، وتحسن إدارة أي حملة تريدها، وقد بدت كلاعب أساسي رائع في الجولة الأخيرة. الواضح تماماً، أن هناك تحضيراً إسلامياً أكثر تنظيماً، وهذا ما لم يستوعبه الليبراليون.

في جانب آخر، كانت هناك «دهشة إسلامية» تجاه النظرة الشرعية للانتخابات والممارسات الديمقراطية في صورة عامة. ففي السابق كان ينظر إلى الانتخابات على أنها غير جائزة شرعاً، وتندرج ضمن قائمة المحرمات. فجأة تغيرت الحال وتبدلت، وأصبحت هذه التجربة تتسم بالإباحة الشرعية، وانطلق بعض الإسلاميين إليها في صورة سريعة، وقادوا فريقاً ناجحاً في التنظيم والحشد، حقق أول النجاحات لمصلحته في مسابقة منطقة الرياض. حال الذهول هي نتيجة طبيعية تجاه الموقف الشرعي، وتحوله المرن من التحريم إلى كونها ضرورة شرعية، وهو أمر يقود إلى التفاؤل بوجود بحبوحة شرعية مستقبلاً تجاه بعض المشاريع المغيبة، لكونها مدرجة ضمن قائمة المحرمات.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير