إن وراء الأكمة ما وراءها .. لقد أقضَّ مضاجع الأعداء اجتماع المسلمين في هذا الملتقى الطاهر، وأرَّق أجفانهم تلاقيهم وتوجيههم لهذا المكان الواحد ..
فراموا الكيد لذلك بكل وسيلة .. وراحوا يبحثون عما يصرفون به قلوب المسلمين .. وكان المدخل الميسر لهم عن طريق التشيع، فقالوا: إن قبر الحسين أفضل من الكعبة البيت الحرام .. ووضعوا من الروايات ما يحتالون به لإثبات هذه المقالة، ونسبوها لبعض آل البيت زورًا وبهتانًا .. علها تجد طريقها لقلوب المغفلين، وعقول الجاهلين، ويميل إليها أهل الأهواء، والابتداع، وأصحاب الأحقاد المتوارثة، والثارات القديمة، ومن يبغي في الأمة الفرقة والشتات.
لقد اعتبر الشيعة كربلاء وغيرها من أماكن قبور أئمتهم المزعومة حرمًا مقدسًا؛ فالكوفة حرم، وقُمّ حرم، وغيرها، جاء في رواياتهم "إنّ الكوفة حرم الله وحرم رسول الله صلى الله عليه وسلم حرم أمير المؤمنين، وإنّ الصّلاة فيها بألف صلاة والدّرهم بألف درهم" [الوافي/ باب فضل الكوفة ومساجدها، المجلّد الثّاني: 8/ 215].
ويروون عن جعفرهم "إنّ لله حرمًا هو مكّة، ولرسوله حرمًا وهو المدينة، ولأمير المؤمنين حرمًا وهو الكوفة، ولنا حرمًا وهو قم [قم: بالضّم والتّشديد كلمة فارسيّة، وهي مدينة مقدّسة عند الشّيعة مشهورة في إيران، وأهلها كلّهم شيعة إماميّة (انظر: معجم البلدان: 4/ 397) ومن أسباب تقديسهم لقم وجود قبر فاطمة بنت موسى بن جعفر (إمامهم السّابع) فيها، انظر: عبد الرّزّاق الحسيني/ مشاهد العترة: ص 162 وما بعدها]، ستدفن فيه امرأة من ولدي تسمّى فاطمة، من زارها وجبت له الجنّة" [بحار الأنوار: 102/ 267].
وقال علي بن الحسن – كما يفترون علي -: "اتّخذ الله أرض كربلاء حرمًا آمنًا مباركًا قبل أن يخلق الله أرض الكعبة ويتّخذها حرمًا بأربعة وعشرين ألف عام، وقدّسها وبارك عليها، فما زالت قبل خلق الله الخلق مقدّسة مباركة ولا تزال كذلك حتى يجعلها الله أفضل أرض في الجنّة، وأفضل منزل ومسكن يسكن فيه أولياءه في الجنّة" [بحار الأنوار: 101/ 107].
وتقديسهم لأرض كربلاء لأنه ضمت جسد الحسين فاستمدت قداستها بوجوده فيها.
فهل كان الحسين مدفونًا فيها قبل خلق الكعبة بأربعة وعشرين ألف عام، أو هي معدة لاستقباله منذ غابر الأزمان؟! وإذا كان كل هذا الفضل بوجود جسد الحسين فلماذا لم تفضل المدينة وفيها جسد رسول الله؟! إن هذا تناقض في بنية المذهب .. وهو يكشف أنه ليس الهدف تقديس الحسين، ولكن الكيد للأمة ودينها.
وقد جاءت روايات كثيرة عندهم تفضل كربلاء على بيت الله.
فتتحدث بعض هذه الأساطير عن محاورة جرت بين كربلاء والكعبة يتبين منها أن هؤلاء الوضاعين لا عقل عندهم فضلاً عن الدين، قال جعفرهم: "إن أرض الكعبة قالت: من مثلي وقد بني بيت الله على ظهري يأتيني الناس من كل فجر عميق وجعلت حرم الله وأمنه.
فأوحى الله إليها – كما يفترون – أن كفي وقرّي ما فضل ما فضّلت به فيما أعطيت أرض كربلاء إلا بمنزلة الإبرة غرست في البحر فحملت من ماء البحر، ولولا تربة كربلاء ما فضلتك، ولولا من تضمنه أرض كربلاء ما خلقتك ولا خلقت البيت الذي به افتخرت، فقرِّي واستقري وكوني ذنبًا متواضعًا ذليلاً مهينًا غير مستنكف ولا مستكبر لأرض كربلاء وإلا سخت بك وهويت بك في نار جهنم" [كامل الزيارات: ص270، بحار الأنوار: 101/ 109].
ولكن الكعبة لم تأخذ بالنصيحة كما تقول روايات الشيعة!! فلم تتواضع لأرض كربلاء، وتصبح كالذنب الذليل المهين لها، فحلت بها العقوبة، بل إن العقوبة – كما يقولون – وقعت على كل ماء وأرض ما عدا كربلاء، قالوا في رواياتهم:
" .. فما من ماء ولا أرض إلا عوقبت لترك التواضع لله، حتى سلط الله على الكعبة المشركين، وأرسل إلى زمزم ماء مالحًا حتى أفسد طعمه .. " [كامل الزيارات: ص270، بحار الأنوار: 101/ 109].
أما كربلاء فقد نجت من العقوبة على الرغم أنها افتخرت وقالت: "أنا أرض الله المقدسة المباركة، الشفاء في تربتي ومائي ولا فخر .. " [كامل الزيارات: ص270، بحار الأنوار: 101/ 109].
هذا جزء مما يدعونه حول كربلاء، وجمعه كله وتحليله يستغرق مؤلفًا خاصًا، وهي كلمة لا يمكن أن تخضع للمناقشة بالعقل والمنطق؛ فهي من جنس هذيان المحمومين وكلمات المجانين، ولو لم أجدها في كتبهم المعتمدة، وبروايات عديدة لما أثبتها .. وهذه الدعاوى والمخاريق هي إساءة بالغة لأهل البيت الذين يزعمون محبتهم والتشيع لهم، ولكنهم كانوا عليهم أشد من أعدائهم، وهي فضيحة من فضائح دين الشيعة قد تنتهي بقارئها والمؤمن بها من مثقفي الشيعة وعقلائهم إلى درب الإلحاد والضلال.
ولقد خاب واضع هذه الأساطير وفشل في تحقيق أهدافه، فلم يتجه المسلمون إلى كربلاء، وظلت هذه الروايات لا تؤثر إلا بأولئك الذين أصمهم التعصب عن سماع الحق وأعمى قلوبهم، فهاموا في أودية من الضلال.
فما دام كتاب الله سبحانه بين المسلمين فلن يغتر بمثل هذه المؤامرات إلا من اتخذ كتاب الله مهجورًا، ولم ير الحق إلا فيما قاله الحجة والسيد والآية وما سارت عليه طائفته، وإن كان لا شاهد له من كتاب الله سبحانه.
والذي يروي هذه الأسطورة السالفة الذكر عن جعفر الصادق رجل يدعى صفوان الجمال، وهو كما يزعم شيوخ الشيعة من رجال جعفر وهو ثقة عندهم [معجم رجال الحديث: 9/ 121]، فقد يكون هو الذي باء بإثم هذا الإفك، إذا لم يكن السند مصنوعًا، ولم أجد لهذا الرجل ذكرًا في الكتب التي رجعت إليها من كتب الرجال عند أهل السنة.
لعل هذا النقل من كتاب د. ناصر القفاري "أصول مذهب الشيعة" أن يفيدكم، وقد تصرفتُ عند النقل تصرفًا يسيرًا بأن قدمتُ وأخرتُ وأدمجتُ من موضع إلى موضع.
وللفائدة إذ أنني علمتُ أن فضيلتكم تسكنون اليمن .... هذه الروابط:
الحوثيون في اليمن .. هل يشكلون امتداداً للهلال الشيعي في المنطقة؟ ( http://www.albainah.net/index.aspx?function=Item&id=15344)
اليمن وجماعة الحوثي: إنقلاب السحر على الساحر ( http://www.albainah.net/index.aspx?function=Item&id=15430)
¥