.. نقل الطبري روايتين عن أبي مخنف (1). ونقل البلاذري عدة روايات عن الواقدي (2). ونقل ابن عساكر وابن كثير عن محمد بن زكريا الغلابي نصاً واحداً (3).ونقل البيهقي وابن عساكر وابن كثير رواية واحدة من طريق الفسوي (4). ونقل ابن كثير رواية واحدة عن أبي مخنف (5).ونقل الطبري وخليفة بن خياط وأبو الحسن العبدي وابن كثير والذهبي وابن حجر على رواية جويرية بن أسماء عن أشياخ أهل المدينة (6)، ونقل ابن سعد عن الواقدي نصاً واحداً (7).ونقل البياسي عن أبي مخنف نصاً واحداً (8).ونقل ابن عساكر عن عمر بن شبة باتهام يزيد بشرب الخمر (9).
... قلت: ممّا سلف بيانه يتضح أن الاعتماد في نقل تلك الروايات تكمن في الواقدي، وأبي مخنف، وعوانة بن الحكم، ورواية عمر بن شبة.
... فأما الروايات التي من طريق الواقدي وأبي مخنف فهما متروكا الحديث، وأما عوانة بن الحكم فقد قال عنه الحافظ ابن حجر: " فكان يضع الأخبار لبني أمية (1) ".وأما رواية عمر بن شبة التي تشير إلى اتهام يزيد بشرب الخمر في حداثته، فقد تكفل ابن عساكر - رحمه الله - في ردها فقال: " وهذه حكاية منقطعة، فإن عمر بن شبة بينه وبين يزيد زمان (2) "
... قلت: وأقوى ما يتعلق به المتهمون يزيد بشرب الخمر بروايتين:
الرواية الأولى:
... وهي التي أخرجها ابن عساكر وغيره من طريق محمد بن زكريا الغلابي، في أن يزيد كان يشرب الخمر في حداثته، فأرشده أبوه إلى شربها ليلاً فقط!!، وهذه الرواية لا تصح سنداً ولا متناً للعلل التالية:
في سندها محمد بن زكريا الغلابي، قال عنه الدارقطني: " كان يضع الحديث (3) "، وذكره الذهبي في " المغني في الضعفاء (4) "، وساق له حديثاً في ميزان الاعتدال، وقال: " فهذا من كذب الغلابي (5) ".
وفي سندها ابن عائشة راوي الخبر، وهو محمد بن حفص بن عائشة، فقد ذكره أبو حاتم و البخاري و سكتا عنه (6)، فهو مجهول عندهما كما قرّر ذلك ابن القطان في كتابه: " بيان الوهم والإيهام " (7).
لم تحدّد المصادر تاريخ وفاة ابن عائشة، غير أنّ ابنه عبد الله الراوي عنه توفي سنة 228هـ (8)، وبهذا فإن ابن عائشة ولد تقريباً بعد المائة من الهجرة، ومن ثم تكون الرواية مرسلة، لأن الراوي بينه وبين هذه القصة - على افتراض وقوعها - أمد بعيد.
من ناحية المتن فكيف يرضى معاوية - رضي الله عنه - لولده بشرب الخمر، ويشجعه عليها ليلاً، ومعاوية هو الصحابي الجليل وأخو أم المؤمنين وكاتب الوحي المبين، وهو رواي الحديث: " من شرب الخمر فاجلوده (1) ".
قال الشيباني - حفظه الله -: " ومن الغريب أن ابن كثير - رحمه الله - بعد إيراده لهذا الخبر تعقبه بقوله: قلت: وهذا كما جاء في الحديث من ابتلي بشيء من هذه القاذورات فليستتر بستر الله عز وجل (2) " ويفهم من تعقيب ابن كثير كأنه مؤيد لهذه الرواية التي لا تحظى بأي نسبة من الصدق (3) " ا. هـ.
الرواية الثانية:
وهي رواية يعقوب بن سفيان البسوي: سمعت ابن عفير: أخبرنا ابن فليح أن عمرو بن حفص وفد على يزيد فأكرمه، وأحسن جائزته، فلمّا قدم المدينة قام إلى جنب المنبر، وكان مرضياً صالحاً. فقال: ألم أجب؟ ألم أكرم؟ والله لرأيت يزيد بن معاوية يترك الصلاة سكراً. فأجمع الناس على خلعه بالمدينة فخلعوه " (4)
... قلت: هذه الرواية لا تصح سنداً ولا متناً، وذلك للعلل التالية:
ابن فليح هو يحيى بن فليح بن سليمان المدني، قال عنه ابن حزم: " مجهول " وقال مرة: " ليس بالقوي " (5)
ابن فليح وأبوه أيضاً لم يدركا هذه الحادثة،فقد ولد أبوه سنة 90 من الهجرة تقريبا (1) ً، وتوفي سنة ثمان وستين ومئة من الهجرة (2)، ومن هنا يتضح أن كان بين مولد أبيه والحادثة مفاوز طويلة وزمان بعيد، ومن ثم تبقى الرواية منقطعة.
¥