تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

فهذا شيخ الإسلام يقول: و لكنه مع ذلك أي مع إظهار الحزن على الحسين ما انتصر للحسين، ولا أمر بقتل قاتله، ولا أخذ بثأره. منهاج السنة (4/ 558).

و كل الذي أبداه شيخ الإسلام و غيره من هذه الاعتراضات لها قدر كبير من الوجاهة والأهمية، و لكن معرفة ظروف العصر الذي حدثت فيه الحادثة، تجعلنا أكثر تعمقاً في مناقشة هذا الرأي.

فالكوفة كما هو معروف هي مركز التشيع في تلك الفترة، و هي بلدة غير مستقرة، معروفة بثوراتها و فتنها، وطوائفها وأحزابها، و عندما كان أمير الكوفة النعمان بن بشير رضي الله عنه كادت الأمور أن تنفلت من يده، فلما أسل يزيد ابن زياد أميراً على الكوفة استطاع ابن زياد في مدة قصيرة أن يعيد الأمور إلى نصابها، وأن يكبح جماح الثورة، و سيطر سيطرة كاملة على الكوفة، وحتى بعد مقتل الحسين رضي الله عنه، فإن الوضع الأمني في الكوفة ازداد خطورة، ولا أظن أن يزيد يسجد قائداً بحزم ابن زياد وبقوته، ثم إن الشيعة لن ترضى سواء عُزل ابن زياد أم بقي، ولن تغير ما في قلوب الشيعة من حقد على الدولة نفسها.

ولو أقدم يزيد على إقالة ابن زياد فإنه سيدفع تكاليف هذه الخطوة كثيراً، وربما سوف يتحول الوضع إلى ثورة كبرى يقودها الشيعة أنفسهم والمتأسفون لقتل الحسين رضي الله عنه

أما بالنسبة إلى تتبع قتلة الحسين رضي الله عنه، فإن هذا ليس من السهولة، فنفس الصعوبات التي اعترضت علياً رضي الله عنه في عدم تتبعه لقتلة عثمان رضي الله عنه، و من بعده معاوية رضي الله عنه، و الذي كان من المصرين على تنفيذ القصاص على قتلة عثمان، سوف تعترض يزيد بن معاوية لو أنه أراد تتبع قتلة الحسين.

و لعل تصرف سليمان بن صُرَدْ رضي الله عنه الذي قاد التوابين ضد ابن زياد يوضح هذه المسألة بوضوح، فقد أدرك سليمان بن صرد أن قتلة الحسين رضي الله عنه في الكوفة، ومع ذلك اتجه لمقاتلة ابن زياد بدلاً من مقاتلة قتلة الحسين في الكوفة قائلاً لأصحابه: (إني نظرت فيما تذكرون فرأيت أن قتلة الحسين هم أشراف أهل الكوفة، و فرسان العرب، وهم المطاَلبون بدمه، و متى علموا ما تريدون وعلموا أنهم المطاَلبون كانوا أشد عليكم، و نظرت فيمن تبعني منكم فعلمت أنهم لو خرجوا لم يدركوا ثأرهم ولم يشفوا أنفسهم، و لم ينكوا في عدوهم وكانوا لهم حذراً .. الطبري (5/ 558).

و بهذا يتضح السبب أكثر في عدم تتبع قتلة الحسين، و بالأخص من قبل الدولة الأموية؛ إذ ليس الأمر بالهين وهم يتبعون قبائل كبيرة لها وزنها الاجتماعي والسياسي، فلربما أدى تصرف مثل هذا، إلى زعزعة أمن الدولة وبالأخص في منطقة العراق كلها، ثم إن يزيد لم يتفرغ بعد لمحاسبة ولاته، بل كانت الثورات متتابعة، فمعارضة ابن الزبير أخذت تكبر وتنمو، وأهل الحجاز قلوبهم ليست مع يزيد إلى غير ذلك من مشاكل الدولة الخارجية، والتي تجعل يزيد عاجزاً عن اتخاذ موقف قوي مع ولاته أو الذين أخطأوا في حق الحسين رضي الله عنه.

موقف أهل السنة والجماعة من مقتل الحسين رضي الله عنه:

أما موقف أهل السنة من مقتل الحسين رضي الله عنه فيلخصه شيخ الاسلام ابن تيمية بقوله: " وقد أكرمه الله بالشهادة وأهان بذلك من قتله أو أعان على قتله، أو رضي بقتله وله أسوة حسنة بمن سبقه من الشهداء، فانه وأخوة سيدا شباب الجنة، وقد كانا قد تربيا في عز الاسلام لم ينالا من الهجرة والجهاد والصبر والأذى في الله ما ناله أهل بيته فأكرمهما الله بالشهادة تكميلا لكرامتهما ورفعاً لدرجاتهما وقتله مصيبة عظيمة.

والله سبحانه وتعالى قد شرع الاسترجاع عند المصيبة بقوله تعالى:

" وبشر الصابرين الذين اذا أصابتهم مصيبة قالوا انا لله وانا اليه راجعون أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون (3) " (4) مجموع الفتاوى (4/ 511).

الشبهة السابعة: الإمام الحسين وهو سيد شباب أهل الجنة يعني فيما يعنيه رفضه لحكم يزيد واعتباره حاكما ظالما فاسدا منحرفا؟

لماذا نركز على فعل أهل الكوفة ولا نركز على الخروج بحد ذاته .. لماذا خرج الإمام الحسين من مكة إلى الكوفة؟؟ هل لكي يستريح هناك؟؟ هل لكي يغير عنوان سكنه ومكان إقامته؟؟ أم أن خروجه وبشكل متفق عليه كان خروجا على يزيد .. وأهل الكوفة لم يبايعوه إلا على رفض يزيد وحكمه ومناصرته.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير