من الشبه التي يوردها عبد السلام ياسين غفر الله لنا وله استدلاله بحديث: تكون النبوة فيكم ما شاء الله أن تكون ثم ترفع ثم تكون خلافة على منهاج النبوة فيكم ما شاء الله ثم ترفع ثم تكون ملك عاض …الحديث على خلاف وجهه فيستدل بقوله صلى الله عليه وآله وسلم {ثم يكون ملك عاض} بعد ذكره للخلافة على أن معاوية أول ملك ظالم, لكنه أتي من قلة اطلاعه وسوء أدبه والذي يهدم استدلاله ما رواه الطبراني بسند جيد عن ابن عباس مرفوعا وقال الهيثمي: {رجاله ثقات}: {أول هذا الأمر نبوة ورحمة ثم يكون خلافة ورحمة ثم يكون ملكا ورحمة ثم يكون إمارة ورحمة ثم يتكادمون عليه تكادم الحمر} والحديث صححه الألباني في الصحيحة (رقم: 3270)
ويشهد له ما رواه الدارمي في السنن من حديث مكحول أبي ثعلبة عن أبي عبيدة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أول دينكم نبوة ورحمة ثم ملك ورحمة ثم ملك وجبروت يستحل فيها الخمر والحرير) ومكحول لم يلق أبا ثعلبة
وما رواه أبو نعيم في حلية الأولياء من حديث كعب عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلا قال: (أول هذه الأمة نبوة ورحمة ثم خلافة ورحمة ثم سلطان ورحمة ثم ملك وجبرية فإذا كان ذلك كذلك فبطن الأرض يومئذ خير من ظهرها) وقد يقول قائل: أليس هذا معارضا للفظ حديث أبي عبيدة المذكور قبل قليل؟ والجواب أنه ليس ثمت معارضة فإن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: {ثم} و هي كما عند علماء النحو تفيد العطف مع التراخي و إلى ذلك يشير قول ابن مالك في الخلاصة:
و الفاء للترتيب باتصال وثم للترتيب بانفصال
فيكون قوله (ثم) دالا على كون الملك العاض بعد الخلافة لكن مع فاصل زمني غير محدد و قوله في حديث ابن عباس (ثم يكون ملكا ورحمة) دالل على أن في الفترة التي بين الخلافة والملك العاض ملكا ورحمة وعدلا، قال شيخ الإسلام في مجموع الفتاوى: (كان ملك معاوية ملكا ورحمة) وقال في المنهاج: (كانت سيرة معاوية مع رعيته من خيار سيرة الولاة وكان رعيته يحبونه وقد ثبت في الصحيحين عن النبي e أنه قال: (خيار أئمتكم الذين تحبونهم ويحبونكم)) فتنبه!
وروى أحمد مرسلا ووصله أبو يعلى في مسنده عن سعيد بن عمرو بن العاص عن معاوية أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: (يا معاوية إن وليت أمرا فاتق الله واعدل قال فما زلت أظن أني مبتلى بعمل لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى وليت) قال الذهبي في سير أعلام النبلاء: ولهذا طرق مقاربة.
وهذا إقرار من النبي صلى الله عليه وسلم لملكه فكيف يقره النبي صلى الله عليه وسلم وينكر عليه غيره. نعم أخطأ في مقاتلة علي وكان علي أولى بالخلافة منه. أما ملكه فقد كان بإجماع المسلمين بل سمي عام توليه الملك عام الجماعة بعدما تنازل له الحسن بن علي رضي الله عنهما وهو عين الإصلاح وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم فيه: (إن ابني هذا سيد وسيصلح الله به بين طائفتين عظيمتين من المسلمين).
وقد يقول قائل: قد سبه النبي صلى الله عليه وسلم , فقال فيه: (لا أشبع الله بطنه)
والجواب أنه قد روى البخاري ومسلم واللفظ للبخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (اللهم فأيما مؤمن سببته فاجعل ذلك له قربة إليك يوم القيامة) ولأجل هذه النكتة ذكره مسلم عقب حديث (لا أشبع الله بطنه)!!
فائدة:
قال شيخنا أبو أويس محمد بوخبزة حفظه الله تعالى الساكن حاليا في شارع معاوية بن أبي سفيان في نقل النديم:
ثبت بأسانيد متعددة أن النبي صلى الله عليه وآله و سلم دعا لمعاوية: {اللهم اجعله هاديا مهديا} وحكى السرهندي في (مكتوباته) أن الإمام مالكا حكم بقتل شاتم معاوية و روى الرازي في مناقب الشافعي و أبو نعيم في الحلية و ابن عبد البر في جامع بيان العلم و فضله أن الشافعي رضي الله عنه كان إذا سئل عما جرى بين الصحابة يردد قول عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه (تلك فتنة قد طهر الله منها أيدينا أفلا نطهر منها ألسنتنا) و هو مذهب أبي حنيفة كما في الفقه الأكبر و أحمد بن حنبل كما في طبقات الحنابلة و ألف الفرهاروي الهندي كتابا بعنوان (الناهية عن طعن أمير المؤمنين معاوية) و هي مطبوع عند مكتبة الحقيقة بإصطنبول.
¥