ثم ربّى أصحابه وتلامذته في ظلهما وضوئهما تربية نموذجية لكي يكونوا قدوة لمن يأتي بعدهم إلى يوم القيامة , ومثلا عليا لمن أراد أن يهتدي بهدي الله جل وعلا وهدى رسوله صلى الله عليه وسلم. فكانوا صورة حية لتعاليم الرب تبارك وتعالى وإرشادات رسوله صلى الله عليه وسلم متبعين مقتدين , غير مبتدعين محدثين , متقدمين بين يدي الله ورسوله , مبتغين مرضات الله , ومقتفين آثار رسول الله صلى الله عليه وسلم مهتدين بهديه , سالكين بمسلكه , منتهجين منهجه , غير باغين ولا عادين , ولا مفرطين ولا مفرّطين في أمور دينهم ودنياهم: {أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده}.
وكان خيار هؤلاء كلهم - وكلهم خيار الخلق أجمعين – أصحاب بيعة الرضوان الذين بايعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم على الموت وهم في الحديبية , فأنزل الله لهم البشرى برضوانه وجعل يده فوق أيديهم: {لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة}.
و {إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله يد الله فوق أيديهم}.
وفاقهم في المنزلة والشأن أهل بدر , الذين اطلع الله عليهم فقال: (اعملوا ما شئتم فقد وجبت لكم الجنة).
وزاد على هؤلاء فضلا ومنقبة ومكانة من رفعهم الله بتبشيره إياهم بالجنة واحدا واحدا بالاسم والمسمى على لسان نبيهم الناطق بالوحي , الذي لا ينطق عن الهوى إن هو ألا وحي يوحى , الصادق المصدوق صلوات الله وسلامه عليه , العشرة المبشرة {لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة لا تبديل لكلمات الله , وذلك هو الفوز العظيم}.
ولو أنه زادهم رفعة وعظمة من قال في حقهما سيدنا علي بن أبي طالب رضي الله عنه: (خير الخلائق بعد نبي الله أبو بكر ثم عمر).
فمن أراد أن يرى الإسلام المتجسد في شخصهم , وذواتهم , وخلقهم , وعاداتهم , وأقوالهم , وأفعالهم , فلينظر إلى هؤلاء , فإنهم كانوا ممثلي الإسلام الصحيح , الكامل , غير المشوب بشوائب البدع والمحدثات , والخرافات والضلالاات التي لحقت الإسلام بعد أدوار وأطوار , فإنهم كانوا تلامذة المدرسة الإسلامية الأولى التي كان أستاذها والمعلم فيها سيد ولد آدم , المحفوظ بحفظ الله , والمعصوم بعصمة الله , والمؤيد بوحي الله , والهادي إلى الصراط المستقيم صلى الله عليه وسلم.
ولأجل ذلك حصر الله رضاه والدخول في الجنة لمتبعيهم بإحسان لكل من يأتي بعدهم , {والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه}.
فهم أولياء الله الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون لأنهم هم الذين حبب إليهم الإيمان وكرَه إليهم الكفر والفسوق والعصيان وأولئك هم الراشدون.
وهم القدوة الحسنة والمحك والمعيار لمعرفة الحق من الباطل , والهدى من الزيغ والضلال.
فكل عمل يخالف عملهم وكل قول يعارض قولهم , وكل طريق في الحياة يناهض طريقهم مردود مرفوض مطرود , لأنهم شاهدوا من رسول الله ما لم يشاهده غيرهم , وسمعوا من نبي الله ما لم يسمعه الآخرون , ورباهم من لم يرب هؤلاء , وتتلمذوا على من لم يتتلمذ عليه أولئك , فهم أشبه الناس في أقوالهم وأفعالهم , وأخلاقهم وعاداتهم , وعباداتهم ومعاملاتهم , ومعاشرتهم ومعاشهم برسول الله صلوات الله وسلامه عليه من غيرهم , فلذلك أُمر المؤمنون باتباعهم , وإلى ذلك أشار نبي الرحمة صلى الله عليه وسلم في قوله (ما أنا عليه وأصحابي) حيث جعلهم معه على طريقة واحدة ومنهج واحد , ولم يُدخل في هذا الاختصاص أحد غيرهم ولم يخصهم بهذه المزية والفضيلة إلا بأمر من الله وإيعازه حيث أنزل عليه في محكم كتابه أن يقول: {قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني}.
ولم يرد من قوله (ومن اتبعني) آنذاك إلا صحابه ورفاقه , تلامذته الراشدين و أوفيائه الصادقين , الهادين المهديين رضي الله عنهم أجمعين.
ففي ضوء الكتاب والسنة , وأسوة الرسول وسيرته , وعمل أصحابه وحياتهم توضع وتوزن أعمال المسلمين المتخلفين وأقوال من جاء بعدهم , فما وجد لها سند ودليل يحكم عليها بالصحة والصواب , قطع النظر عمن صدرت عنه , وممن وردت.
¥