وما لم يعاضدها الكتاب ولم تناصرها السنة , ولم يوجد لها أثر في حياة الصحابة وأفعالهم يحكم عليها بالفساد والبطلان , سواء وردت من صغير أو كبير , تقي أو شقي , لأن (أحسن الكتاب كتاب الله , وخير الأمور أوسطها , وشر الأمور محدثاتها , وكل محدثة بدعة , وكل بدعة ضلالة , وكل ضلالة في النار).
وقال عليه الصلاة والسلام: (من أحدث في أمرنا هذا ماليس منه فهو رد).
وإن المسلمين لملزمون أن يؤمنوا بأن الله لم يترك خيرا لأمة محمد صلى الله عليه وسلم إلا وقد بينه لرسوله صلى الله عليه وسلم , ولا شرا إلا وقد نبهه عليه , ثم رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكتم بيانه , ولم يقصّر في تبليغه إلى الناس , فأخبر الخلق بكل ما أخبر عن الله عز وجل لصلاحهم وفلاحهم , ولم يخصّ شخصا دون شخص {وَمَا هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ}.
وكان مأمورا من الله بأن يبلغ كل ما نزل إليه , قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ}.
وكما أن المسلمين مطالبون أيضا أن يؤمنوا بأن الدين قد كمل في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم , ولم يتوفه الله إلا بعد إتمام الإسلام {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا}.
ومن يعتقد أن شيئا من الدين لو صغيرا بقي ولم ينزله الله على نبيه , أو لم يبينه صلوات الله وسلامه عليه فإنه لا يؤمن بكمال الدين على رسوله صلى الله عليه وسلم , ولا تمام الإسلام في حياته , لأنه بدون هذا ينقص الدين ولا يكمل , وهذا معارض لقول الله عز وجل , ومناف لختم نبوة محمد صلوات الله عليه وسلامه عليه.
ويتضح بذلك جليا أنه لا بد من الأعتقاد أن كل شيء لا يوجد في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم فليس من الدين - وهو محدث وبدعة وضلالة , وهذا هو الصحيح الثابت عن الله وعن رسوله – أما اعتقاد أنه من الدين وأن الدين لم يكمل بعج , فهذا هو عين الكفر والضلالة , وقائله ليس من المؤمنين والمسلمين بالإتفاق , فلا بد من أحد الأمرين , إما هذا أو ذلك , ولا يمكن الجمع بينهما {لِّيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَن بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَن بَيِّنَةٍ وَإِنَّ اللّهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ}. و {هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنكُمْ كَافِرٌ وَمِنكُم مُّؤْمِنٌ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ}.
ومن هذا المنظور والرؤية نرى التصوف , وننظر في الصوفية , ونبحث في وقواعده وأصوله ونحقق أسسه ومبادئه , ومناهجه ومشاربه , هل لها أصل في القرآن والسنة , أو سند في خيار خلق الله أصحاب رسول الله الذين هم أولياء الله الحقيقيون الأولون من أمة محمد , الذين لا خوف عليهم ولاهم يحزنون.
{وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَالَّذِينَ آوَواْ وَّنَصَرُواْ أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَّهُم مَّغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ}
و {الَّذِينَ آمَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِندَ اللّهِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ 20 يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُم بِرَحْمَةٍ مِّنْهُ وَرِضْوَانٍ وَجَنَّاتٍ لَّهُمْ فِيهَا نَعِيمٌ مُّقِيمٌ 21 خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا إِنَّ اللّهَ عِندَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ 22}
و {فَالَّذِينَ آمَنُواْ بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُواْ النُّورَ الَّذِيَ أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}.
فإن كان كذلك فعلى المؤمنين كافة الإقرار والتسليم , والتمسك والإلتزام , وليس لهم الخيار في الترك أو القبول , {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُّبِينًا}.
¥