وقال الصوفي الهندي فريد الدين الملقب بكنج شكر: (إن التصوف أن لا يبقى في ملكك شيء , ولا يبقى وجودك في مكان.
وقال: إن أهل التصوف يقيمون صلواتهم على العرش يوميا.
وقال: إن الصوفي من لا يخفى على قلبه شيء).
فهذه هي تعريفات التصوف والصوفية لدى أعلام الصوفية وأقطابهم أنفسهم , ونقلناهم من كتبهم , تضاربت فيها أراء القوم , وتعارضت فيها أقوالهم , لا جمع بينهما ولا وفاق رغم ما ادعاه بعض المتأخرين , وحاولوا التوفيق ولكن دونه خرط القتاد , لأن كل تعريف مستقل عن التعريف الآخر , وحتى التعريفات العديدة التي صدرت عن شخص واحد تباعد بعضها عن بعض كل البعد وهذا التباعد ظاهر جليّ لكل من نظر فيها وقرأها تأمل وتدبر , وتحقق وتعمق.
ويجدر الإشارة ههنا إلى أن تعريفات التصوف المتعددة التي ذكرناها واخترناها من تعريفات كثيرة جدا تنبئ صراحة عن حقيقة إدعاء علاقة التصوف بالإسلام , وكونه روحه وعصارته.
الأمر الذي سوف يفصل الكلام فيه , في الأبواب القادمة إن شاء الله تعالى.
الفصل الرابع
بَدْءُ التّصَوّفِ وَظهُوره
إن الناس اختلفوا في بدء ظهور هذه الكلمة واستعمالها كاختلافهم في أصله وتعريفه , فذكر ابن تيمية وسبقه ابن الجوزي وابن خلدون في هذا أن لفظ الصوفية لم يكن مشهورا في القرون الثلاثة الأولى , وإنما اشتهر التكلم به بعد ذلك , وقد نقل التكلم به عن غير واحد من الأئمة والشيوخ كالإمام أحمد بن حنبل , وأبي سليمان الداراني وغيرهما , وقد روى عن سفيان الثوري أنه تكلم به , وبعضهم يذكر ذلك عن الحسن البصري.
وقال السراج الطوسي في الباب الذي خصصه للرد على من قال: لم نسمع بذكر الصوفية في القديم وهو إسم مستحدث: يقول في هذا الباب:
(إن سأل سائل فقال: لم نسمع بذكر الصوفية في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ورضي عنهم أجمعين , ولا فيمن كان بعدهم , ولا نعرف إلا العبّاد والزُّهاد والسيَّاحين والفقراء , وما قيل لأحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: صوفي , فنقول وبالله التوفيق.
الصحبة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم لها حرمة , وتخصيص من شمله ذلك , فلا يجوز أن يعلق عليه اسم على أنه أشرف من الصحبة , وذلك لشرف رسول الله صلى الله عليه وسلم وحرمته , ألا ترى أنهم أئمة الزهاد والعباد والمتوكلين والفقراء والراضين والصابرين والمختبين , وغير ذلك , وما نالوا جميع ما نالوا إلا ببركة الصحبة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم , فلما نسبوا إلى الصحبة والتي هي أجل الأحوال استحال أن يفضلوا بفضيلة غير الصحبة التي هي أجل الأحوال وبالله التوفيق.
وأما قول القائل: إنه اسم محدث أحدثه البغداديون , فمحال , لأن في وقت الحسن البصري رحمه الله كان يعرف هذا الاسم , وكان الحسن قد أدرك جماعة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ورضي عنهم , وقد رُوي عنه أنه قال: رأيت صوفيا في الطواف فأعطيته شيئا فلم يأخذه وقال: معي أربعة دوانيق يكفيني ما معي.
وروي عن سفيان الثوري رحمه الله أنه قال: لولا أبو هاشم الصوفي ما عرفت دقيق الرياء , وقد ذكر الكتاب الذي جُمع فيه أخبار مكة عن محمد بن إسحاق بن يسار , وعن غيره يذكر فيه حديثاً: أنه قبل الإسلام قد خلت مكة في وقت من الأوقات , حتى كان لا يطوف بالبيت أحد , وكان يجيء من بلد بعيد رجل صوفي فيطوف بالبيت وينصرف , فإن صح ذلك فإنه يدل على أنه قبل الإسلام كان يعرف هذا الاسم , وكان يُنسب إليه أهل الفضل والصلاح , والله أعلم).
وبمثل ذلك قال السهروردي: (وهذا الاسم لم يكن في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم , وقيل: كان في زمن التابعين – ثم نقل عن الحسن البصري وما نقلناه عن الطوسي أيضا – ثم قال: وقيل: لم يعرف هذا الاسم إلى المائتين من الهجرة العربية).
وصرح عبد الرحمن الجامي:
¥