تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

(أن أبا هاشم الكوفي أول من دعى بالصوفي , ولم يسم أحد قبله بهذا الاسم , كما أن أول خانقاه بني للصوفية هو ذلك الذي في رملة الشام , والسبب في ذلك أن الأمير النصراني كان قد ذهب للقنص فشاهد فشاهد شخصين من هذه الطائفة الصوفية سنح له لقاؤهما وقد احتضن أحدهما الآخر وجلسا هناك , وتناولا معا كل ما كان معهما من طعام , ثم سارا لشأنهما , فسرّ الأمير النصراني من معاملتهما وأخلاقهما , فاستدعى أحدهما , وقال له: من هو ذاك؟

قال: لا أعرفه , قال: وما صلتك به؟.

قال: لا شيء. قال: فمن كان؟.

قال: لا أدري , فقال الأمير: فما هذه الألفة التي كانت بينكما؟.

فقال الدرويش: إن هذه طريقتنا , قال: هل لكم من مكان تأوون إليه؟.

قال: لا , قال: فإني أقيم لكما محلا تأويان إليه , فبنى لهما هذه الخانقاه في الرملة).

وأما القشيري فقال: اشتهر هذا الاسم لهؤلاء الأكابر قبل المائتين من الهجرة).

وأما الهجويري فلقد ذكر أن التصوف كان موجودا في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم , وباسمه , واستدل بحديث موضوع مكذوب على رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من سمع صوت أهل التصوف فلا يؤمن على دعائهم كتب عند الله من الغافلين).

مع أنه نفسه كتب في نفس الباب في آخره شارحا كلام أبي الحسن البوشنجي (التصوف اليوم اسم بلا حقيقة , وقد كان من قبل حقيقة بلا اسم) فكتب تحته موضحا:

(يعني أن هذا الاسم لم يكن موجودا وقت الصحابة والسلف , وكان المعنى موجودا في كل منهم , والآن يوجد الاسم , ولا يوجد المعنى).

وأما المستشرقون الذين كتبوا عن التصوف , ويعدون من موالي الصوفية وأنصارهم , فمنهم نيكلسون فإنه يرى مثل ما يراه الجامي أن لفظة التصوف أطلقت أول ما أطلقت على أبي هاشم الكوفي المتوفى سنة 150 ه.

ولكن المستشرق الفرنسي المشهور ما سينيون يرى غير ذلك , فيقول:

ورد لفظ الصوفي لأول مرة في التاريخ في النصف الثاني من القرن الثامن الميلادي إذ نعت به جابر بن حيان , وهو صاحب كيمياء شيعي من أهل الكوفة , له في الزهد مذهب خاص , وأبو هاشم الكوفي الصوفي المشهور.

أما صيغة الجمع (الصوفية) التي ظهرت عام 189 هـ (814 م) في خبر فتنة قامت بالأسكندرية فكانت تدل قرابة ذلك العهد على مذهب من مذاهب التصوف الإسلامي يكاد يكون شيعيا نشأ في الكوفة , وكان عبدك الصوفي آخر أئمته , وهو من القائلين بأن الإمامة بالإرث والتعيين , وكان لا يأكل اللحم , وتوفى ببغداد حوالي عام 210 هـ.

وإذن فكلمة صوفي كانت أول أمرها مقصورة على الكوفة).

وقال أيضا:

صاحب عزلة بغدادي , وهو أول من لقب بالصوفي , وكان هذا اللفظ يومئذ يدل على بعض زهاد الشيعة بالكوفة , وعلى رهط من الثائرين بالأسكندرية , وقد يعدّ من الزنادقة بسبب إمتناعه عن أكل اللحم , ويريد الأستاذ أول من لقب بالصوفي في بغداد كما يؤخذ مما نقله عن الهمذاني , ونصه:

(ولم يكن السالكون لطرق الله في الأعصار السالفة والقرون الأولى يعرفون باسم المتصوفة , وإنما الصوفي لفظ أشتهر في القرن الثالث , وأول من سمي ببغداد بهذا الاسم عبدك الصوفي , وهو من كبار المشائخ وقدمائهم , وكان قبل بشر بن الحارث الحافي والسري بن المفلس السقطي).

والجدير بالذكر أن هؤلاء الثلاثة الذين يقال عنهم بأنهم أول من سمّو بهذا الاسم , وتلقبوا بهذا اللقب مطعونون في مذاهبهم وعقائدهم , ورمى كل واحد منهم بالفسق والفجور وحتى الزندقة , وخاصة جابر بن حيان , وعبدك كما سيأتي ذلك مفصلا في محله من الكتاب إن شاء الله.

وقد سبق كلام شيخ الاسلام ابن تيمية حيث قال: (إن لفظ الصوفية لم يكن مشهورا في القرون الثلاثة , وإنما اشتهر التكلم به بعد ذلك).

وبمثل ذلك قال ابن خلدون.

فخلاصة الكلام أن الجميع متفقون على حداثة هذا الاسم , وعدم وجوده في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه والسلف الصالحين.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير