جاء عبد الكريم أبو أمية إلى أبي العالية وعليه ثياب صوف , فقال له أبو العالية: (إنما هذه ثياب الرهبان , إن المسلمين إذا تزوروا تجملوا).
ونقل الشعراني عن سهل التستري حكاية باطلة غريبة تدل على أن الصوف كان لباس أصحاب المسيح , وهذا هو نصها: أن سهل بن عبد الله التستري كان يقول:
(اجتمعت بشخص من أصحاب المسيح عليه السلام في ديار قوم عاد فسلمت عليه , فرد علي السلام , فرأيت عليه جبة من صوف فيها طراوة , فقال لي: إن لها علي من أيام المسيح , فتعجبت من ذلك.
فقال: يا سهل إن الأبدان لا تخلق الثياب , إنما يخلقها رائحة الذنوب , ومطاعم السحت , فقلت له: فكم لهذه الجبة عليك؟
فقال: لها سبعمائة سنة).
وذكر السهر وردي أيضا أنه كان الصوف لباس عيسى عليه السلام فقال:
(كان عيسى عليه السلام يلبس الصوف , ويأكل من الشجرة , ويبيت حيث أمسى).
ومثل ذلك ذكر الكلاباذي.
(وعلى ذلك قال نولدكة ونيكلسون وماسينيون إن التصوف الإسلامي أخذ لبسة الصوف من الرهبان النصارى).
وزاد نيكلسون أشياء في مقالاته العديدة التي نشرت في دوائر المعارف , وجمعت بعضها باسم (الدراسات في التصوف الإسلامي وتاريخه) منها ما قاله تحت عنوان: الزهد في الإسلام:
(كان عرب الجاهلية على حظ قليل من التفكير الديني , وكان تفكيرهم في هذه الناحية مضطرباً وغامضاً. وقد شغلهم انهماكهم في متع الحياة ومتاعبها عن التفكير في حياة أخروية , ولم يخطر ببالهم أن يعدوا أنفسهم لحياة روحية وراء حدود القبر. وقد غرست المسيحية – لا الكنيسة المسيحية , بل المسيحية غير التقليدية وغير المنظمة – بذور الزهد في بلاد العرب قبل البعثة المحمدية , وظل أثرها يعمل عمله في تطور الزهد في الإمبراطورية الإسلامية في عصورها الأولى. ونحن نعلم أن المسيحية كانت منتشرة قبل الإسلام بين قبائل شمالي الجزيرة العربية , وأن كثيراً من العرب كانوا على شيء من العلم – مهما كان قليلا وسطحيا – بعقائد الديانة المسيحية وطقوسها. بل إن الإشارات التي وردت في الشعر الجاهلي عن رهبان المسيحيين لتدل على أن عرب البادية كانوا يجلون هؤلاء الرهبان ويعظمونهم , وكانوا يهتدون بأنوارهم المنبعثة من صوامعهم في ظلام الليل وهم يسيرون في الصحراء فضرب هؤلاء الرهبان وغيرهم من الزهاد الهائمين على وجوههم , مثلا للعرب الوثنيين في الزهد , وحركوا في نفوس بعضهم , وهم المعروفون بالحنفاء , ميلاً إلى النفور من الأوثان ورفض عبادتها. فدان هؤلاء بعقيدة التوحيد , واصطنع بعضهم الزهد ومجاهدة النفس , ولبسوا الصوف وحرموا على أنفسهم بعض أنواع الطعام).
وقال أيضا:
(كانت الثياب المصنوعة من خشن الصوف علامة على الزهد قبل الإسلام , وفي هذا حاكى العرب رهبان المسيحيين. وقد شاع استعمال هذا النوع من الثياب بين زهاد المسلمين الأوائل , ومنه اشتق اسم الصوفية الذي استعمل قبل نهاية القرن الثاني الهجري. على أن اسما آخر أطلق على هؤلاء الزهاد وإن كان أقل شيوعا من اسم الصوفي وهو (مسوحي) نسبة إلى مسوح جمع مسح وهو اللباس من الشعر.
وقد جرت العادة بأن يلبس الزهاد , رجالا كانوا أو نساء , جبة مدرعة من الصوف وأن تلبس المرأة أحيانا غطاء على الرأس من القماش نفسه , وهذا الغطاء هو المعروف بالخمار.
وقد استنكر سفيان الثوري المتوفى سنة 161 هـ لبس الصوف , وعده بدعة , واستنكر كذلك غيره من المسلمين لأنهم اعتبروه رمزا للمسيحية وعلامة على الرياء).
وقال أيضا تحت عنوان التصوف باحثا عن كلمة الصوفي نقلا عن نولدكه:
(إن المسلمين في القرنين الأولين للإسلام كانوا يلبسون الصوف , وبخاصة من سلك منهم طريق الزهد , وأنهم كانوا يقولون: لبس فلان الصوف: بمعنى تزهد ورغب عن الدنيا.
فلما انتقل الزهد إلى التصوف قالوا: لبس فلان الصوف بمعنى: أصبح صوفيا. وكذلك الحال في اللغة الفارسية: فإن قولهم (بشمينا بوش) معناه: يلبس لباس الصوف.
وقد أخذ زهاد المسلمين الأوائل عادة لبس الصوف عن رهبان المسيحيين ونساكهم , يدل على ذلك أن حماد بن أبي سليمان قدم البصرة , فجاءه فرقد السنجي وعليه ثياب صوف فقال له حماد ضع عنك نصرانيتك هذه.
¥