وبذلك اعترف صوفي كبير من شبه القارة الهندية الباكستانية , وكاتب شهير في تعاليم التصوف وتاريخه أن مسلك وحدة الوجود بمعنى أنه لا موجود في الحقيقة إلا الله , وأن وجود الممكنات وهميّ مثل الشعلة التي تظهر بتحريكها سريعة دائرة وهمية , يظنها الناظر دائرة حيث لا يكون لها وجود حقيقة , بل حركة الشعلة بسرعة هي التي أوهمت الناظر بوجودها , فكذلك الكون والممكنات. فهذا مسلك شري شنكر أجاريا , الذي أسسه وأوضحه في شروحه لأوينشد , وأخذ منه هذه الفلسفة من المسلمين (حضرة الأقداس إمام العرفاء محي الدين ابن عربي , والمعروف بالشيخ الأكبر).
كما أنه تأثر بفلسفة حكماء المغرب مثل اسنبوزا , لائبنز , فخته , هيجل , شوين هاور , باذنكويت , وبردليه , كما أن الشهوديين من المسلمين أخذوا فلسفة وحدة الشهود أيضا من العرفاء الهندوكيين. وهذا المسلك مأخوذ من رام نوج أجاريا أحد شراح اوبنشاد الأربعة المعروفين.
فالديانات الهندية هي المصدر الآخر للتصوف الذي راح بين المسلمين , وأختاره طائفة من الناس الذين أرادوا أن يكونوا عرفاء من بين المسلمين , واختاروا نفس المناهج التي وضعها أصحاب الديانات الهندية لحصول (نروان) أي المعرفة , وجعلوا غورديسيا (أي تعذيب النفس) وجب وكيان دهيان (أي الصمت والتفكير والذكر) وسيلة للوصول إليها , وكان هذا ظاهرا جليا واضحا إلى حدّ اضطر المراعون للتصوف , والمداهنون للصوفية , والمدافعون عنهم أن يقرّوا به على ملأ من الناس:
(فالتصوف الإسلامي الحقيقي مبناه على الكتاب والسنة وعلى أحوال الرسول النبي العربي صلى الله عليه وسلم وإن تعرجت مؤخرا تعاليم التصوف وتلونت بعض فروعه ألوانا عدة واتجهت تلك الفروع اتجاهات مختلفة بسبب المذاهب الموروثة للداخلين المحدثين في الإسلام من هنود وفرس وإسرائليين ومسحيين ولا سيما في عصر الترجمة الذي شجع عليه المأمون ومن بعده من الخلفاء العباسيين فترجم المسلمون كتباً كثيرة من التصوف الهندي واليوناني والفارسي وطمعت بعض فروع التصوف الإسلامي الخالص بما دخل عليها من النزعات الأفلاطونية الحديثة أو القديمة وبعض المذاهب الهندية والفارسية في التصوف كنظرية الحلول والاتحاد والتقمص والتناسخ وما إلى ذلك (ولكل دين تصوفه وطبعا).
ومع ذلك ظل التصوف الإسلامي الصميم والذي مصدرة الكتاب والسنة قائما على حاله في صدور رجاله وفي الكتب الإسلامية كتواليف الحسن البصري والقشيري وأبي طالب المكي والسراج والغزالي).
(وشذ عن ذلك أمثال الحلاج الذي قال بالحلول والقائل (أنا الحق وما في الجبة سوى الله) ومحي الدين القائل (خضنا بحراً وقف الأنبياء بسالحله) وبرأه من فكره الحلول قوله بالسكر وغلبة الحال. وأكثر الصوفية الأعاجم خلطوا بين الفلسفة الفارسية القديمة أو الهندية وما قبسوه عن اليونانية والأفلاطونية الحديثة وبين تصوفهم الخاص).
وقد تأثر أمثال ببراهمة الهند والغرس في أزيائهم وطقوسهم , واعتنقوا من أفكارهم).
ويقول صوفي متقدم لسان الدين بن الخطيب:
(ومن الهنود الذي وضع لهم الحكمة المصلحية , الشلم , والمهندم , والبرهمان , والصولية , والبردة , والزهاد , والعباد , ورجال الرماد , وأصحاب الفطرة , وهم يهجرون اللذات الطبيعية جملة , ويكثرون الجوع والرياضة , عشاق فيما ولّوا وجوههم شطره).
وقال الآخر ما خلاصته:
(وشك أن ابن عربي في مدرسة وحدة الوجود وسوابق بذورها في مدرسة الحلاج ولواحقها حتى عبد الكريم الجيلي وما بعده قد تأثر بالمصدر الهندي الذي أنطق مذهب الانبثاق الرواقي والفيوضات والصدور عند الأفلاطونية).
وقال ماسينيون:
(ونجد من ناحية أخرى أن بحث المراحل التي أدّت إلى إدخال الذكر في طرق الصوفية المحدثين تدلنا على تسرب بعض طرائف الهنود إلى التصوف الإسلامي).
زبمثل ذلك قال أوليري المستشرق الآخر:
(وثمة شبيه هندي للفناء , ولكن ليس في البوذية , وإنما فيما تقول به الفيدانتا من وحدة الوجود).
ونيلكسون كذلك , فيقول في إحدى مقالاته وهو يتكلم في الفناء الصوفي:
(أما في شرق فارس حيث ظهرت فكرة الفناء لأول مرة ظهورا واضحا , فلا بدّ أنها كانت متأثرة إلى حد كبير بأفكار هندية وفارسية.
¥