قال: قطب الزمان وواحد الأوان , ولكم رأينا من عجائب وغرائب مثل هذا ليس من شرطها أن تفشي , وقد رمزنا لك في هذا الباب أسراراً كثيرة ما كان يسعنا أن نتكلم فيها بغير هذا اللسان , فألق القشر من الخطاب وخذ اللب إن كنت من أولي الألباب).
وفي مقام آخر من كتابه كتب أن أرسطو تلميذ أفلاطون لزم خدمة الخضر واستفاد منه علوما جمة , وكان من تلامذته.
وهذا غير ما ذكر من آرائه وآراء أفلاطون وفلسفتهما , والتعلق والتمسك بها ومصطلحاتها التي استعملها واعتنقها وآمن بها.
وبمثل ذلك كتب لسان الدين بن الخطيب في كتابه الصوفي الكبير (روضة التعريف بالحب الشريف) حيث يلقب أفلاطون كلما يذكره بمعلم الخير , وأرسطو بحكيم متأله , وسقراط وهرمس وغيرهم من أهل الأنوار.
وحكى عن أرسطو (خطأ) أنه حصل له الاتحاد بالذات الإلهية. فيقول نقلا عن أرسطو أنه قال:
(إني ربما خلوت بنفسي كثيراً , وجعلت بدني جانبا , وصرت كأني مجردا بلا بدن , عري من الملابس الطبيعية , فأكون داخلا في ذاتي , خارجا من سائر الأشياء. فأرى في ذاتي من الحسن والسناء , والبهاء والضياء والمحاسن العجيبة , والمناظر الأنيقة , ما أبقى له متعجبا متحيراً باهتاً , فأعلم أني جزء من أجزاء العالم الأعلى الشريف. فلما أيقنت بذلك , رقيت بذهني إلى العلة الإلهية المحيطة بالكل , فصرت كأني موضوع متعلق بها. فأكون فوق العالم كله , فأراني كأني واقف في ذلك الموقف الشريف المقدس الإلهي فأرى هنالك من النور والبهاء , والبهجة والسناء , وملا تقدر الألسن على صفته , ولا الأسماع على نعته , ولا الأوهام أن تحيط به , فإذا استغرقني ذلك النور والبهاء , لم أطق على احتماله , ولا الصبر عليه فارتددت عاجزاً عن النظر إليه , وهبطت من العقل إلى الفكر والروية , فإذا صرت في عالم الفكر والروية , حجبت الفكرة عني ذلك النور والبهاء , وحالت بيني وبينه الأوهام , فأبقى متعجباً كيف انحدرت من ذلك الموضع الشاهق العالي الإلهي , وصرت سفلا في موضع الفكر والضيقة , بعد أن قويت نفسي على التخلف عن بدنها , والرجوع إلى ذاتها , والترقي إلى العالم العقلي , ثم العالم الإلهي , مع العقول فوق العوالم كلها , حتى صارت في موضع البهاء والنور والسناء مجتلية الذي هو علة كل نور وبهاء , وسبب كل دواء وبقاء.
ومن العجب. أني كنت رأيت نفسي ممتلئة نوراً , وهي في البدن كهيئتها , والبدن معها , وهي خارجة عنه , على أني لما أطلت الفكرة , ومحضت الروية , وأجلت الرأي , وصرت كالمتحير المبهوت , تذكرت الفلنطوس , فإنه أمر بالطلب والبحث عن جوهر النفس الشريفة , والحرص على الصعود إلى ذلك العالم الشريف الأعلى. وقال: إنه من حرص على ذلك , وارتقى إلى العالم الأعلى , ولحق بالجواهر الإلهية , والأسباب الكلية , يجزي أحسن الجزاء اضطرارا. فلا ينبغي لأحد أن يفتر عن الطلب والحرص , والجد في الارتقاء إلى ذلك العالم , وإن تعب وكد ونصب , فإن أمامه الراحة التي لا تعب بعدها , في حياة دائمة , وعيشة راضية , ولذات باقية لا يتناهى أمدها , ولا يقطع مددها , مخلوقة للإنسان كلها , والإنسان مخلوق لها , أليس عجزا أن تمر ساعة من عمره في غير ما خلق له من ذلك؟ أليس من فرط في السعي لذلك ظالما لنفسه , ومهلكا ذاته , وفاعلا بجوهرته النفيسة ما لم يفعل به أعدى عدو له , فيندم حين لا ينفعه الندم).
ثم علق عليه بقوله:
(وبيان هذه السعادة: من تعرض له , فقد تعاطى ما لا يستقل به نفس , ولا تطمع فيه قوة ... وسبيل السعادة عندهم الرياضة , وعلاج الأخلاق , حتى يصير شيبها بالخير المحض وهو المبدأ , وتلطيف السر , وأن يصرف عن النفس شواغل الجسم , ويترقى في معارج المحبة والشوق إلى ذلك الكمال بالفكرة , حتى تحس النفس بانجذابها إلى عالمها , وتفيض عليها عجائبه. وقد أخبر هؤلاء الإلهيون عن أنفسهم عن أنفسهم بما ذكرناه آنفا , من أنهم نزعوا جلابيب الجسمانية في هذا العالم , وترقوا إلى العالم العلوي , فأبصروا من نوره ولذاته أموراً مذهلة , ثم عادوا إلى عالم الحس , ورمزوا ذلك في كتبهم , حسبما نقل سقراط الدنان , ومعلم الخير أفلاطون وإمام المشائين أرسطو).
¥