وهذه العبارات منثورة مبعثرة في كتب القوم كثيرا , ناطقة عن كنههم وحقيقة مشربهم الذي اختاروه منهجا ومسلكا من التصوف والصوفية كشهادات داخلية واعترافات ذاتية.
وعلى ذلك قال الصوفي المشهور عبد الوهاب الشعراني عن شيخه:
(وكان سيدي أفضل الدين رحمه الله يقول:
كثير من كلام الصوفية لا يتمشى ظاهره إلا على قواعد المعتزلة والفلاسفة فالعاقل لا يبادر إلى الإنكار بمجرد عزو الكلام إليهم , بل ينظر ويتأمل في أدلتهم التي استندوا إليها , فما كل ما قاله الفلاسفة والمعتزلة في كتبهم يكون باطلا).
وبعد هذه الشهادات والاعترافات لا نرى الاحتياج إلى ذكر عبارات الصوفية , ومقارنتها بآراء الفلاسفة والأفلاطونية المحدثة كي لا يطول بنا الحديث ولو أننا سوف نتكلم في هذا الخصوص ونضطر إلى سرد تلك النصوص في محل آخر من الكتاب عند الاحتياج والضرورة.
فهذه هي مصادر التصوف , التي استقى منها شجرته حتى نمت وازدهرت , فأينعت وأثمرت , ولا يمكن رده إلى مصدر واحد (فإن أثر المسيحية والأفلاطونية الحديثة والفلسفة البوذية عامل لا سبيل لنا إلى إنكاره في التصوف الإسلامي. وقد كانت هذه المذاهب والفلسفات متغلغلة في الأوساط التي عاش فيها الصوفية , فلم يكن بدّ من أن تترك طابعها في مذاهبهم , ولدينا أدلة كافية توضح أثرها في التصوف ومكانتها منه , ولو أن المادة التي بين أيدينا لا تمكننا من تتبع أثرها بالتفصيل. وبالجملة يمكن القول بأن التصوف في القرن الثالث – شأنه في ذلك شأن التصوف في عصر من عصوره – ظهر نتيجة لعوامل مختلفة أحدثت أثرها في مجتمعه. أعني بهذه العوامل البحوث النظرية في معنى التوحيد الإسلامي , والزهد والتصوف المسيحيين , ومذهب الغنوصية , والفلسفة اليونانية والهندية).
وكان هناك مصدر هام له تأثير قوي في تكوين التصوف وتشكيله , وتحوير منهجه وتطويره , وترويج الأفكار الأجنبية البعيدة عن الإسلام وتعاليمه فيه , غير هذه المصادر التي ذكرناها , وهو: التشيع الذي وضع نواته اليهود , وساهمت في تنشئته وتنميته الديانات الفارسية.
ولكن لما لهذا المصدر من أهمية كبيرة وتأثير كبير لتغيير وجهة التصوف ومجراه , وتخليق أفكار غريبة فوق الغرابة التي وجدت فيه من المصادر الأخرى ربما تصطدم بنصوص صريحة للقرآن والسنة لا تحمل التأويل وتقضي على تعاليمها.
ولفارق آخر وهو أن مصادر التصوف الأخرى أخذ منها التصوف أفكارها , واقتبس منها آراءها دون أن يكون لتلك المصادر قصد ورغبة , وهدف وغرض , ولتلقين المتصوفة تعاليمها وفلسفاتها , ونشرها بينهم , غير أن التشيع بثّ أفكاره ودسّ معتقداته , وروجّ نظرياته بين الصوفية عن قصد وعمد لتشويش المسلمين في عقائدهم ومعتقداتهم وتبكيت أهل السنة عن الاعتراض على التشيع وزيغه وضلاله , وإلزامهم السكوت بإبراز طائفة تنتمي إليهم , وتحسب عليهم , وتحمل نفس المعتقدات التي تشتمل عليها هي , وهذا أمر خطير في تاريخ الطوائف والفرق , والملل والنحل.
ولذلك نخصص لبيانه بابا مستقلا ليكون الباحث والقارئ على إطلاع كامل على ما يحتاجه هذا البحث , وتتطلبه هذه القضية.
البَابُ الثالث
التّشَيُّع وَ التّصَوُّف
إن التشيع أوجده اليهود , وأسسوا أسسه , وأصلوا أصوله , وأرسو قواعده , ووضعوا عقائده ومعتقداته , بواسطة إبنهم البار عبد الله بن سبأ , المتزيّ بزيّ الإسلام , واللابس ثوبه ولباسه , تقية وخداعا , الذي أرسل إلى عاصمة الخلافة الإسلامية أيام الخليفة الراشد الثالث عثمان بن عفان رضي الله عنه من قبل يهود صنعاء اليمن لتقويض دعائم الإسلام , وفناء دولته , ومسخ شريعته السماوية البيضاء , وهدم قوائمها وأركانها , وترويج عقائد اليهودية بين المسلمين , وإيجاد الفرقة والاختلاف بينهم , وإسعار نار الحقد والبغضاء , وفتح باب المطاعن والتلاعن , والسباب والشتائم , بدل الأخوة الصادقة والتوادّ والتعاطف والتراحم:
¥