تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ومن شواهد تأثر التصوف بالتشيع وعلمائها أن سلاسل التصوف كلها ما عدا النادر القليل منها تنتهي إلى علي بن أبي طالب رضي الله عنه دون سائر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم , وفي طرق إسنادها إلى علي أسماء أئمة الشيعة المعصومين حسب زعمهم من أولاد علي رضي الله عنه دون غيرهم , وأن رؤساء هذه العصابة يذكر لهم اتصال وثيق , وصلات وطيدة مع أئمة القوم كما يذكر في تراجمهم وسيرهم وأحوالهم , إضافة إلى ذلك أن الخرقة الصوفية لا يبدأ ذكرها أيضا إلا من علي رضي الله عنه أيضا.

فإن علي بن أبي طالب رضي الله عنه مع كونه من سادة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأشرافهم , ومن العشرة المبشرين بالجنة , ورابع الأربعة من الخلفاء الراشدين الذين خلفوا رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد وفاته لقيادة هذه الأمة وتسيير أمورها ولكنه لم يكن أزهد من أبي بكر الصديق رضي الله عنه , ولا من عمر الفاروق رضي الله عنه (أبي بكر الصديق السابق بالتصديق الملقب بالعتيق , المؤيد من الله بالتوفيق , صاحب النبي صلى الله عليه وسلم في الحضر والأسفار , ورفيقه الشفيق في جميع الأطوار , وضجيعه بعد الموت في الروضة المحفوفة بالأنوار , المخصوص في الذكر الحكيم بمفخر فاق به كافة الأخيار , وعامة الأبرار , وبقي له شرفه على كرور الأعصار , ولم يسم إلى ذروته همم أولي الأيدي والأبصار , حيث يقول علم الأسرار: ثاني اثنين إذ هما في الغار , إلى غير ذلك من الآيات والآثار , ومشهور النصوص الواردة فيه والأخبار , التي غدت كالشمس في الانتشار , وفضل كل من فاضل , وفاق كل من جادل وناضل , ونزل فيه: لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل , توحد الصديق , في الأحوال بالتحقيق , واختار الاختيار من الله دعاه إلى الطريق , فتجرد من الأموال , والأغراض , وانتصب في قيام التوحيد للتهدف والأغراض , صار للمحن هدفا , وللبلاء غرضا , وزهد فيما عزله جوهرا كان أو عرضا).

(ومات ولم يترك دينارا ولا درهما).

(وكفن في ثوبين مستعملين قديمين).

وقال في آخر لحظاته من الحياة موصيا أهله وورثته:

(أما إنّا منذ ولينا أمر المسلمين لم نأكل لهم دينارا ولا درهما ولكنا قد أكلنا من جريش طعامهم في بطوننا , ولبسنا من خشن ثيابهم على ظهورنا وليس عندنا من فيء المسلمين قليل ولا كثير إلا هذا العبد الحبشي , وهذا البعير الناضح , وجرد هذه القطيفة , فإذا مت فابعثي بهن إلى عمر وأبرئي منهن. ففعلت.

فلما جاء الرسول بكى عمر حتى جعلت دموعه تسيل في الأرض ويقول: رحم الله أبا بكر لقد أتعب من بعده).

وعمر الفاروق رضي الله عنه (ذو المقام الثابت المأنوق , أعلن الله تعالى به دعوة الصادق المصدوق , وفرق به بين الفصل والهزل , وأيد بما قواه به من لوامع الطول , ومهد له من منائح الفضل شواهد التوحيد , وبدد به مواد التنديد , فظهرت الدعوة , ورسخت الكلمة , فجمع الله تعالى بما منحه من الصولة , ما نشأت لهم من الدولة , فعلت بالتوحيد أصواتهم بعد تخافت , وتثبتوا في أحوالهم بعد تهافت , غلب كيد المشركين بما ألزم قلبه من حق اليقين , لا يلتفت إلى كثرتهم وتواطيهم , ولا يكترث لممانعتهم وتعاطيهم , إتكالا , اتكالا على من هو منشئهم وكافيهم , واستنصارا بمن هو قاصمهم وشافيهم , محتملا لما احتمل الرسول , ومصطبرا على المكاره لما يؤمل من الوصول , ومفارقا لمن اختار التنعم والترفيه , ومعانقا لما كلف من التشمر والتوجيه , المخصوص من بين الصحابة بالمعارضة للمبطلين , والموافقة في الأحكام لرب العالمين , السكينة تنطق على لسانه , والحق يجري الحكمة عن بيانه , كان للحق مائلا , وبالحق صائلا , وللأثقال حاملا , ولم يخف دون الله طائلا).

و (كان بين كتفيه أربع رقاع , وإزاره مرقوع بأدم , وخطب على المنبر وعليه إزار فيه اثني عشر رقعة , وأنفق في حجته ستة عشر دينارا , وقال لابنه: قد أسرفنا.

وكان لا يستظل بشيء غير أنه كان يلقى كساءه على الشجر ويستظل تحته , وليس له خيمة ولا فسطاط).

وقال في وصيته التي وصى بها ابنه في آخر لحظة من عمره , وقد استسلف مالا من بيت مال المسلمين:

(بع فيها أموال عمر , فإن وفت وإلا فسل بني عدي , وإن وفت وإلا فسل قريشا و لا تعدهم).

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير