وإلى ذلك أشار شيخ الإسلام ابن تيمية في منهاجه ردّا على الشيعة الذين قالوا: إن عليا كان أزهد أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم , فقال:
(أزهد الناس بعد رسول الله الزهد الشرعي أبو بكر وعمر , وذلك أن أبا بكر كان له مال يكسبه فأنفقه مله في سبيل الله ... ولقد تلا أبا بكر عمر في هذا الزهد , وكان فوق علي في ذلك يعني في إعراضه عن المال واللذات.
وأما علي رضي الله عنه فتوسع في هذا المال من حله , ومات عن أربع زوجات وتسعة عشر أم ولداً سوى الخدم , وتوفي عن أربعة وعشرين ولدا من ذكر وأنثى , وترك لهم من العقار والضياع ما كانوا به أغنياء قومهم ومياسيرهم , هذا أمر مشهور لا يقدر على إنكاره من له أقل علم بالأخبار ... فصح بالبرهان الضروري أن أبا بكر رضي الله عنه أزهد من جميع الصحابة رضي الله عنهم , ثم عمر).
هذا وكان في أصحاب رسول الله زهاد آخرون ولكن المتصوفة لم ينهوا سلسلة سندهم إلا إلى علي بن أبي طالب رضي الله عنه مثل الشيعة الذين يجعلونه أول إمام لهم. كما نقل الهجويري عن الجنيد أنه قال:
(شيخنا في الأصول والبلاء على المرتضى , أي أن علي بن أبي طالب هو إمام هذه الطريقة في العلم والمعاملة , فأهل الطريقة يطلقون على علم الطريقة اسم الأصول , ويسمون تحمل البلاء فيها بالمعاملات).
وهو الذي نقل عنه العطار أنه قال:
(ولقد وهبه الله تعالى من العلم والحكمة والكرامة , وماذا كنا نصنع لو لم ينطق المرتضى بهذا القول على سبيل الكرامة).
ويقول الطوسي أبو نصر السراج:
(ولأمير المؤمنين علي رضي الله عنه خصوصية من بين جميع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بمعاني جليلة , وإشارات لطيفة , وألفاظ مفردة , وعبارة وبيان للتوحيد والمعرفة والإيمان والعلم , وغير ذلك , وخصال شريفة تعلق وتخلق به أهل الحقائق من الصوفية).
(وأما علي بن أبي طالب كرم الله وجهه فذاك مدينة العلم , وأول آخذ لبيعة الطريق – طريق الأولياء – وأول ملقن بالذكر والسر من الرسول صلى الله عليه وسلم).
لأن جبريل عليه السلام نزل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أولا بالشريعة , فلما تقررت ظواهر الشريعة واستقرت نزل إليه بالحقيقة المقصودة والحكمة المرجوه من أعمال الشريعة وهي الإيمان والإحسان فخص رسول الله صلى الله عليه وسلم بباطن الشريعة بعض أصحابه دون البعض.
وكان أول من أظهر علم القوم وتكلم فيه سيدنا على كرم الله وجهه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم).
فإن عليا رضي الله عنه حسب كلام المتصوفة: (من أصحاب العلم وممن يعلمون من الله ما لم يعلمه غيره).
ولا جبرائيل وميكائيل لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم (لما لقن علي بن أبي طالب رضي الله عنه , وخلع عليه ذلك صار يقول:
عندي من العلم الذي أسرّه إلىّ رسول الله صلى الله عليه وسلم ما ليس عند جبريل ولا ميكائيل).
وعلى ذلك نقل الطوسي عن الوجيهي أنه قال:
سمعت أبا علي الروذباري يقول: سمعت جنيدا رحمه الله يقول:
(رضوان الله على أمير المؤمنين علي , رضي الله عنه , لولا أنه اشتغل بالحروب لأفادنا من علمنا هذا معاني كثيرة , ذاك امرؤ أعطى علم اللّدني , والعلم اللّدني هو العلم الذي خصّ به الخضر عليه السلام , قال تعالى: {وعلمناه من لدنّا علما}).
ورسول الله صلى الله عليه وسلم جعله بمنزله هارون من موسى مع الفضل العظيم لأبي بكر (ولم يشرك الحبيب الرسول المقرب الخليل في مقام الخلّة كما صلح أن يشرك معه في مقام الأخوة عليا كرم الله وجهه فقال: علي مني بمنزلة هارون من موسى).
وكان له مقام ومنزلة عند الصوفية إلى أن نقل الشعراني عن أحد المتصوفين أنه قال:
(إن علي بن أبي طالب رضي الله عنه رفع كما رفع عيسى عليه السلام , وسينزل كما ينزل عيسى عليه السلام – ثم يقول الشعراني: قلت: وبذلك قال سيدي على الخواص رضي الله عنه فسمعته يقول:
إن نوحا عليه السلام أبقى من السفينة لوحا على اسم علي بن أبي طالب رضي الله عنه يرفع عليه إلى السماء فلم يزل محفوظا في صيانة القدرة حتى رفع علي بن أبي طالب رضي الله عنه).
¥