فالجواب كما قاله الشيخ في الباب الرابع والستين وثلاثمائة: أن ذلك غلط ... قال الشيخ: وسبب غلط الغزالي وغيره في منع تنزل الملك على الوليّ عدم الذوق , وظنهم أنهم قد علموا بسلوكهم جميع المقامات و فلما ظنوا ذلك بأنفسهم ولم يروا ملك الإلهام نزل عليهم أنكروه , وقالوا: ذلك خاص بالأنبياء , فذوقهم صحيح وحكمهم باطل , مع أن هؤلاء الذين منعوا قائلون بأن زيادة الثقة مقبولة , وأهل الله كلهم ثقات.
قال: ولو أن أبا حامد وغيره اجتمعوا في زمانهم بكامل من أهل الله وأخبرهم بتنزل الملك على الوليّ لقبلوا ذلك ولم ينكروه.
قال: وقد نزل علينا ملك فلله الحمد).
ولا ندري كيف يرد على الغزالي وهو القائل:
(ومن أول الطريق تبتدئ المكاشفات والمشاهدات , حتى أنهم في يقظتهم يشاهدون الملائكة , وأرواح الأنبياء , ويسمعون منهم أصواتا , ويقتبسون منهم فوائد.
ثم يرتقي الحال من مشاهدة الصور والأمثال إلى درجات يضيق عنها نطاق النطق).
هذا ويقول ابن عربي في كتابه (الجواب المستقيم عما سأل عنه الترمذي الحكيم) زيادة على نزول الملك على الولي ّ:
(وليس الأمر كذلك , فقد رآه الأولياء في حال حديثه لهم , فكل قال ما شاهد ... ومشهده صحيح , وهذا كله إذا كان الحديث من الملك والروح).
يعني أن الوليّ ينزل عليه الملك ويحدثه ويشاهده الوليّ ويراه وقت نزوله عليه , وكلامه به.
وبمثل ذلك يقول صوفي قديم آخر نجم الدين الكبري المتوفى 618 هـ أن الملائكة تنزل على الصوفية.
و بمثل ذلك قال الدباغ , وبعبارة أكثر وضوحا من هذه العبارات:
(وأما ما ذكروه في الفرق بين النبي والوليّ من نزول الملك وعدمه فليس بصحيح , لأن المفتوح عليه سواء كان وليا أو نبيا لا بد له أن يشاهد الملائكة بذواتهم على ما هم عليه , ويخاطبهم ويخاطبونه , وكل من قال: إن الوليّ لا يشاهد الملك و لا يكلمه فذاك دليل على أنه غير مفتوح عليه).
ونقل النفزي الرندي عن بعض المشائخ أنه قال:
(إن الملائكة تزورني فآنس بها , وتسلم عليّ فأسمع تسليمها).
وليس عامة الملائكة فحسب , بل جبريل أيضا كما ينص على ذلك الشعراني ناقلا عن الشيخ عبد الغفار القوصي أنه قال في كتابه المسمّى بالوحيد:
(أنّ الشيخ تاج الدين بن شعبان كان إذا سأله إنسان في حاجة يقول له: اصبر حتى يجيء جبريل).
وبذلك يقول ابن عربي أن القطب ينزل على قلبه الروح الأمين حيث يذكر في كتابه (مواقع النجوم):
(وهذا المقام (أي مقام القطب) وهذه أسراره رفع الحجاب وأشرقت أنواره
وبدا هلال التمّ يسطع نوره للناظرين وزال عنه أسراره
وتنزل الروح الأمين لقلبه يوم العروبة وأنقضت أو طاره).
وينزل عليه بالأمر والنهي كما نص على ذلك الدباغ بقوله:
(ينزل الملك على الوليّ بالأمر والنهي).
(وتصير قلوبهم مهبطا للوحي).
ويسمعون كلام الله (فإذا تحقق الصوفي بهذا الوصف صار وقته سرمدا , وشهوده مؤبدا , وسماعه متواليا متجددا يسمع كلام الله تعالى).
و (يتلقاهم ملائكة الله مشرقين , يحيونهم بتحايا الملكوت , ويصبون عليهم ماء النبع من ينبوع البهاء ... ويقومون في هياكل القربات , يناجون مع أصحاب حجرات العزة ويسمعون صوتا كصوت رعد أو دويّ في الدماغ).
ويقول السهروردي المقتول سنة 587 هـ هذا أيضا أن الأولياء , ويسميهم إخوان التجريد (يتعلمون العلم من روح القدس بلا تعلم بشرى , وتطيعهم مادة العالم العنصري , وينذرون الكون ويخبرونه بالجزئيات الواقعة في الماضي والمستقبل).
ويكتب الحكيم الترمذي في قضية مكالمة الله مع الوليّ:
(الولاية لمن ولى الله حديثه على طريق أخرى فأوصله إليه , فله الحديث , وينفصل ذلك الحديث ذلك الحديث من الله عز وجل على لسان الحق معه السكينة تتلقاه السكينة التي في قلب المحدّث , فيقلبه ويسكن إليه).
ونختم هذا على ما قاله ابن عربي في هذا الخصوص:
(اعلم يا بنيّ أن العبد المحقق الصوفي إذا صفا وتحقق صار كعبة لجميع الأسرار الإلهية من كل حضرة وموقف , ويرد عليه في كل يوم جمعة ما دام في ذلك المقام ستمائة ألف سرّ ملكوتي , واحد منها إلهي , وخمسة أسرار ربانية , ليس لها في حضرة الكون مدخل).
¥