استأذن على عبدي , فإن أذن لك فادخل , وإلا فارجع , فيستأذن عليه من سبعين حجابا , ثم يدخل عليه ومعه كتاب من الله عز وجل عنوانه:
من الحيّ الذي لا يموت إلى الحيّ الذي لا يموت , فإذا فتح الكتاب وجد مكتوبا فيه عبدي , اشتقت إليك فزرني , فيقول: هل جئت بالبراق؟
فيقول: نعم , فيركب البراق , فيغلب الشوق على قلبه , فيحمله شوقه , ويبقى البراق إلى أن يصل إلى بساط اللقاء).
وهناك آخرون كثيرون ادعوا عروجهم إلى السماء , ومعراجهم أو مكالمتهم الرب , ومخاطبتهم إياه , ومنهم صالح بن بان النقا السوداني.
ودفع الله بن محمد الكاهلي الهذلي السوداني.
وفتح الله بوراس القيرواني.
ومحمد بن قائد اللواني العراقي.
وأبو العباس المرسي.
ومثل هؤلاء كثيرون لا يعدون ولا يحصون.
ويذكر الصوفي القديم المشهور عزيز الدين النسفي عن عروج المتصوفة إلى السماء:
(إن بعض الصوفية يعرجون إلى السماء الأولى ويطوفون حولها , وبعضهم يتجاوزون من السماء الأولى ... وبعضهم يصلون إلى العرش إذا أمكن لهم).
هذا بالنسبة للعروج , وأما من ناحية مكالمة الربّ لهؤلاء المتصوفة فللأهمية ننقل عبارة الجيلي كاملة , فيقول تحت عنوان (تجليّ الصفات):
(ومن المكلمين من يذهب به الحق من عالم الأجسام إلى عالم الأرواح وهؤلاء أعلى مراتب. فمنهم من يخاطب في قلبه , ومنهم من يصعد بروحه إلى سماء الدنيا , ومنهم إلى الثانية والثالثة كل على حسب ما قسم له , ومنهم من يصعد به إلى سدرة المنتهى فيكلمه الله هناك , وكل من المكلمين على قدر دخوله في الحقائق تكون مخاطبات الحق له و لنه سبحانه وتعالى لا يضع الأشياء إلا في مواضعها. ومنهم من يضرب له عند عند تكليمه إياه نور له سرادق من الأنوار. ومنهم من ينصب له منبرا من نور. ومنهم من يرى نورا في باطنه فيسمع الخطاب من تلك الجهة النورية , وقد يرى النور كثيرا وأكثر مستديرا ومتطاولا. ومنهم من يرى صورة روحانية تناجيه , كلّ ذلك لا يسمى خطابا , إلا إنْ أعلمه الله أنه هو المتكلم , وهذا لا يحتاج فيه إلى دليل , بل هو على سبيل الوهلة فإن خاصية كلام الله لا تخفى , وأن يعلم أن كل ما سمعه كلام الله فلا يحتاج هناك إلى دليل ولا بيان , بل بمجرد سماع الخطيب يعلم العبد أنه كلام الله , وممن صعد به إلى سدرة المنتهى من قيل له حبيبي إنيتك هي هويتي وأنت عين هو وما هو إلا أنا , حبيبي بساطتك تركيبي وكثرتك واحديتي , بل تركيبك بساطتي وجهلك درايتي , أنا المراد بك أنا لك لا لي , أنت المراد بي أنت لي لا لك , حبيبي أنت نقطة عليها دائرة الوجود فكنت أنت العابد فيها والمعبود , أنت النور أنت الظهور أنت الحسن و الزين كالعين للإنسان والإنسان للعين:
أيا روح روح الروح والآية الكبرى ويا سلوة الأحزان للكبد الحرّى
ويا منتهى الآمال يا غاية المنى حديثك ما أحلاه عندي وما أمرا
ويا كعبة التحقيق يا قبلة الصفا ويا عرفان الغيب يا طلعة الغرا
أتيناك أخلفناك في ملك ذاتنا تصرف لك الدنيا جميعا مع الأخرى
فلولاك ما كنا ولولاي لم تكن فكنت وكنا والحقيقة لا تدرى
فإياك نعني بالمعزة والغنى وإياك نعني بالفقير ولا فقرا)
فلينظر الباحث , وليتعمق و هل بقي هناك شيء خفي بعد هذا كله؟
ولكننا لتوثيق ما هو موثق نورد نصوصا أخرى من أكابر القوم الآخرين , وأعاظمهم.
منها ما نقل المتصوفة عن أبي يزيد البسطامي أنه كثيرا ما كان يقول للفقهاء:
(أخذتم علمكم ميتا عن ميت , ونحن أخذنا علمنا عن الحيّ الذي لا يموت).
وهو الذي يذكرون عنه أنه ذكر معراجه ومكالمته الرب – تعالى الله عما يقولون به علوا كبيرا – فيقول:
(أدخلني في الفلك الأسفل , فدوّرني في الملكوت السفلي , فأراني الأرضين وما تحتها إلى الثرى , ثم أدخلني في الفلك العلوي فطوّف بي في السموات وأراني ما فيها من الجنان إلى العرش.
ثم أوقفني بين يديه فقال لي: سلني أيّ رأيت حتى أهبه لك , فقلت:
يا سيدي ما رأيت شيئا استحسنته فأسألك إياه , فقال: أنت عبدي حقا تعبدني لأجلي صدقا لأفعلن بك).
ونقل الآخرون الكثيرون عنه أيضا أنه قال:
(رفعني مرة فأقامني بين يديه , وقال لي:
يا أبا يزيد , إن خلقي يحبون أن يروك.
¥