فقلت: زيّني بوحدانيتك , وألبسني أنانيتك , وارفعني إلى أحديتك , حتى إذا رآني خلقك قالوا: رأيناك , فتكون أنت ذاك , ولا أكون أنا هنا).
ونقلوا مثل ذلك عن السري السقطي رواية عن الجنيد أنه قال:
بتّ عند سري ليلة , فقال لي: أنائم أنت؟
فقلت: لا.
فقال: أوقفني الحق بين يديه , فقال: أتدري لم خلقت الخلق؟
قلت: لا. قال: خلقتهم فادّعوا محبتي , فخلقت الدنيا , فاشتغل بها من عشرة آلاف تسعة آلاف , وبقي ألف , فخلقت الجنة فاشتغل بها تسعمائة , وبقي مائة , فسلطت عليهم شيئا من بلائي , فاشتغل تسعون , وبقي عشرة , فقلت لهم: لا الدنيا أردتم , ولا في الجنة رغبتم , ولا من البلاء هربتم , فماذا تريدون؟
قالوا: إنك تعلم ما نريد.
فقال: سأنزل عليكم من البلاء ما لا تطيقه الجبال , أفتثبتون؟
قالوا: ألست أنت الفاعل؟ قد رضينا بذلك. نحمد ذلك بك وفيك ولك.
فقال: أنتم عبادي حقا.
ورووا عن الجنيد أنه قال:
(لي ثلاثون سنة أتكلم مع الله تعالى).
وعن صوفي قديم آخر سهل بن عبد الله التستري أنه قال:
(أنا منذ ثلاثين سنة أكلم الله والناس يتوهمون أني أكلمهم).
والشعراني نقل عن علي الخواص أنه قال:
(قد سمعت سيدي إبراهيم المتبولي يقول كثيرا:
لي ثلاثون سنة وأنا مقيم في حضرة الله لم أخرج , وجميع ما أتكلم به إنما أكلم به الحق سبحانه وتعالى).
والرفاعية أيضا لا يريدون أن يقل شأن مرشدهم وهاديهم , وتنحط مكانته في أعين مريديه ومقلديه , فنقلوا عنه أنه كان كثيرا بينه وبين الربّ مناجاة ومخاطبات فنقلوا عن ابن جلال في جلاء الصد وا نصه:
(نقل عن السيد إبراهيم الأعزب أنه قال: كنت جالسا في الغرفة مع السيد أحمد الرفاعي رضي الله تعالى عنهما , ورأسه على ركبتيه , فرفع رأسه وضحك بأعلى صوته فضحكت أنا أيضا ثم ألححت عليه ليخبرني عن سبب ضحكه , فقال:
أي إبراهيم , ناداني العزيز سبحانه: أني أريد أن أخسف الأرض , وأرمي السماء على الأرض.
فلما سمعت هذا النداء تعجبت , وقلت: إلهي , من ذا الذي يعارضك في ملكك وإرادتك؟
قال سيدي إبراهيم: فأخذته الرعدة ووقع على الأرض وبقي في ذلك الحال زمانا طويلا).
وحينما رأى الشاذلية هذه المكانة العالية , والمنزلة الرفيعة لمرشد الرفاعية , الرفاعي , لم يرضوا أن يتخلفوا عنهم , فقالوا: إن ما لشاذلينا لم تكن مخاطبات فحسب , بل إن الله جل مجده هو الذي سماه بهذا الاسم , فيذكر الإمام الأكبر السابق للأزهر , الدكتور عبد الحليم محمود نقلا عن أبي الحسن الشاذلي كيفية نزوله من جبل زغوان , ومغادرته خلوته , فيقول:
(قيل لي: يا علي: اهبط إلى الناس ينتفعوا بك.
فقلت: يا ربّ أقلني من الناس فلا طاقة لي بمخالطتهم.
فقيل لي: انزل فقد أصحبناك السلامة , ودفعنا عنك الملامة.
فقلت: تكلني إلى الناس آكل من دريهماتهم.
فقيل لي: أنفق يا علي , وأنا الملي , إن شئت من الجيب , وإن شئت من الغيب.
ونزل الشاذلي رضي الله عنه من على الجبل ليغادر شاذلة , ويستقبل مرحلة جديدة , فقد انتهت المرحلة الأولى التي رسمها له شيخه.
وقبل أن نغادر معه شاذلة إلى رحلته الجديدة نذكر ما حكاه رضي الله عنه فيما يتعلق بنسبته إلى شاذلة , قال:
قلت ك يا ربّ لم سميتني بالشاذلي؟ ولست بشاذلي؟
فقيل لي: يا علي , ما سميتك بالشاذلي وإنما أنت الشّاذّ لي. بتشديد الذال المعجمة يعني: المنفرد لخدمتي ومحبتي).
هذا ولقد نقلوا مثل هذه المكالمات والمناجاة بين ذي النون المصري والربّ تبارك وتعالى أيضا.
وقلما يوجد صوفي أو متصوف إلا وقد ادّعى مثل هذه الدعوى , وكتب التراجم وطبقات الصوفية مليئة بمثل هذه الأكاذيب والشناعات , والجرأة على الله , والإنتقاص من شأن نبينا صلوات الله وسلامه عليه خاتم النبيين وسيد المرسلين , حيث ينسبون إلى أنفسهم , أو إلى مرشديهم ومتصوفيهم ما لم يكن لبشر أن يحصل عليه , حتى سيد الخلائق وأفضل النبيين والمرسلين مثل ما أوردنا عنهم , ومثل مارووا عن فتح الله بوراس القيرواني أنه كان يقول:
¥