(أشهدني الله تعالى ما في السموات السبع وما في الكرسي وما في اللوح المحفوظ وجميع ما في الحجب , وفككت طلاسم السموات السبع والفلك الثامن الذي فيه جميع الكواكب وجميع الفلك الثامن , وهم بنات نعش والجدي والقطب , ووصلت إلى الفلك التاسع الذي يسمونه الأطلس , ورصدت جداوله وأنا عند ذلك طفل صغير لم أبلغ الحلم).
وكان يقول:
(وفي السماء السابعة شاهدت ربي وكلّمته
وفوق العرش والكرسي قد ناداني وخاطبته
وما في اللوح المحفوظ من الآي والأمر والنهي قد حفظته
وبيدي باب الجنان قد فتحته ودخلته
وما فيه من الحور العين قد رأيته وحصيته
ومن رآني ورأي من رآني وحضر مجلسي
في جنة عدن وبستانها قد أسكنته).
ومثل ذلك ذكر الشعراني عن الدسوقي المتوفى 776هـ حيث قال:
(أنا كل وليّ في الأرض خلعته بيدي. ألبس منهم من شئت , أنا في السماء شاهدت ربي , وعلى الكرسي خاطبته , أنا بيدي أبواب النار أغلقتها , وبيدي جنة الفردوس فتحتها. من زارني أسكنته جنة الفردوس).
نعوذ بالله من مثل هذه الخرافات , ولا يؤاخذنا الله على نقل ما اقترفته الأيدي الأثيمة والألسن الخبيثة , ربنا لا تهلكنا بما فعل السفهاء منا إنْ هي إلا فتنتك تضلّ بها من تشاء وتهدي من تشاء أنت ولينا فاغفر لنا و ارحمنا وأنت خير الغافرين.
ثم إن الصوفية أصّلوا قاعدة وحكما عاما , وقالوا:
(ما كان وليّ متصل بالله تعالى إلا وهو يناجي ربه كما كان موسى عليه السلام يناجي ربه).
(وإذا صفا قلب الفقير صار مهبط الوحي).
والدباغ يقول:
(وكلام الحق سبحانه يسمعه المفتوح عليه إذا رحمه الله عز وجل سماعا خارقا للعادة فيسمعه من غير حرفه ولا صوت ولا إدراك لكيفية , ولا يختص بجهة دون جهة , بل يسمعه من سائر الجهات , بل ومن سائر جواهر ذاته , وكما لا يخص السماع له جهة دون أخرى , كذلك لا يخص جارحة دون أخرى يعني أنه يسمعه بجميع جواهره وسائر أجزاء ذاته فلا جزء ولا جوهر ولا سنّ ولا ضرس ولا شعرة منه إلا وهو يسمع به , حتى تكون ذاته بأسرها كأذن سامعة , , ثم ذكر اختلاف أهل الفتح في قدر السماع وبيّنه بما لا يذكر).
(وأن معراج الصوفية , وخرقهم السموات , ومكالمتهم الربّ , ومخاطبته إياهم جائز شرعا ونقلا , وهو المنقول عن الشاذلي , وابن عطاء الله في (لطائف المنن) , ومحمد السنوسي في كبراه , والشيخ عبد الباقي وغيرهم).
وقد نقل الشعراني عن الشاذلي قوله:
(لا إنكار على من قال: كلّمني الله كما كلّم موسى).
وأما ابن عربي القائل دوما: (حدثني قلبي عن ربي , في كتبه ورسائله , و: ما صنفت كتابا عن تدبير واختيار إلا بأمر من الله وإرشاده).
يقول في سماع الصوفي كلام الربّ عندما يبلغ الدرجة العليا , ويتحقق في مقامه , يقول:
(إنما يسمع الصوفي في هذا المقام ويمتثل ما يسمع – كما أنا ما زلت أسمع متحققا في مقامي من الحق).
وأما إطلاعهم على الغيب , وإحاطتهم بعلم ما كان وما يكون , وإخبارهم بكل ما ظهر وما بطن فكتب القوم مليئة بهذه المختلقات , بل يمكن لقارئ كتب الصوفية والباحث في تراجمهم وطبقاتهم أن يقول: إن شخصا ما ينسب إلى هؤلاء الناس ويعدّ منهم إلا أن يكون حاملا لذلك العلم الذي هو من خاصة رب السموات والأرض , حيث أخبر عن ذاته سبحانه تبارك وتعالى:
{وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لاَ يَعْلَمُهَا إِلاَّ هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلاَّ يَعْلَمُهَا وَلاَ حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلاَ رَطْبٍ وَلاَ يَابِسٍ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ}.
وقال: {وَلِلّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الأَمْرُ كُلُّهُ}.
وقال: {إِنَّ اللَّهَ عَالِمُ غَيْبِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ}.
وأخبر عن نفسه بنفسه:
{عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْكَبِيرُ الْمُتَعَالِ}
و: {عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ}.
والآية التي هي نصّ في المسألة حيث أمر نبيّه صلى الله عليه وسلم أن يقول:
{قُل لَّا يَعْلَمُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ}.
كما أمر نبيه صلى الله عليه وسلم أن ينفي عن نفسه الغيب:
¥