(تمنيت وقتا ما أن أرى إبليس - عليه اللعنة – وذات يوم كنت واقفا بباب المسجد , فإذا بشيخ يقبل من بعيد متجها إلى , فلما رأيته أحسست وحشة في قلبي , فلما اقترب مني قلت: من أنت أيها الشيخ , إذ لا طاقة لعيني برؤية وجهك من الوحشة , لا طاقة لقلبي بالتفكير فيك من الهيبة؟ قال: أنا الذي تتمنى مشاهدتي. قلت: يا ملعون! ما منعك أن تسجد لآدم؟ قال: يا جنيد كيف تصور أني أسجد لغيره؟ قال الجنيد: فتحيرت في كلامه , فنوديت في سري أن: (قل له: كذبت , لو كنت خرجت عن أمره ونهيه. فسمع النداء من قلبي , فصاح وقال: أحرقتني بالله! وغاب).
ثمّ علق عليها بقوله:
(وفي هذه الحكاية دليل على حفظه وعصمته , لأن الله سبحانه وتعالى يحفظ أولياءه في كل الأحوال من كيد الشيطان).
وتؤيد وتدعم أنهم يدّعون أولياءهم ومتصوفيهم معصومين , مقولاتهم في كتبهم أنه لا يجوز الاعتراض على وليّ من أوليائهم أو على أحد من متصوفيهم , لو كان عمله يعارض الشرع , أو يظهر بصورة منكرة , فيقول الشعراني:
(من دخل في صحبة شيخ , ثم اعترض عليه بعد ذلك فقد نقض عهد الصحبة).
ثم نقل حكايتان خبيثتين تدلان على عقيدة القوم في مشائخهم وكونهم معصومين , فيقول:
(كان أبو سهل الصعلوكي رحمه الله يقول:
كان لبعض الأشياخ مجلس يفسر فيه القرآن العظيم فأبدله بمجلس قوال , فقال مريد بقلبه: كيف يبدل مجلس القرآن بمجلس قوال؟
فناداه الشيخ: يا فلان , من قال لشيخه: لم , لم يفلح.
فقال المريد: التوبة ... وزار أبو تراب النخشبي وشقيق البلخي أبا يزيد البسطامي , فلما قدّم خادمه السفرة قلا له: كل معنا يا فتى , فقال: لا , إني صائم.
فقال له أبو تراب: كل , ولك أجر صوم شهر.
فقال: لا , فقال له شقيق: كل , ولك أجر صوم سنة , فقال: لا , فقال أبو يزيد: دعوا من سقط من عين رعاية الله عز وجل , فسرق ذلك الشاب بعد سنة , فقطعت يده عقوبة له على سوء أدبه مع الأشياخ , ثم نقل عن الشيخ برهان الدين أنه قال:
من لم ير خطأ الشيخ أحسن من صوابه لم ينتفع به).
وبمثل ذلك قال شيخ الأزهر السابق نقلا عن سيده أحمد الدردير أنه قال:
(فالآداب التي تطلب من المريد في حق شيخه أوجبها تعظيمه وتوقيره ظاهرا وباطنا , وعدم الاعتراض عليه في أيّ شيء فعله , ولو كان ظاهره أنه الحرام , ويؤول ما انبهم عليه , وتقديمه على غيره , وعدم الالتجاء لغيره من الصالحين , فلا يزور وليا من أهل العصر , ولا صالحا إلا بإذنه , ولا يحضر مجلس غيره إلا بإذنه , ولا يسمع من سواه حتى يتمّ سقيه من ماء سرّ شيخه).
فهل هناك ضلال بعد هذا الضلال , وتسفيه للعقول بعد هذا كله؟
ومن رجل جعل شيخا لأكبر جامعة إسلامية وأقدمها في العالم؟
{رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ}.
ولطرافة كلام الشيخ ننقل ههنا ما كتبه في آداب المريد , فيقول:
(ومن آداب المريد للشيخ: أن لا يكثر الكلام بحضرته ولو باسطه , ولا يجلس على سجادته , ولا يسبح بسبحته , ولا يجلس في المكان المعدّ له , ولا يلح عليه في أمر , ولا يسافر , ولا يتزوج , ولا يفعل فعلا من الأمور المهمة إلا بإذنه , ولا يمسك يده للسلام مثلا ويده مشغولة بشيء كقلم أو أكل أو شرب , بل سلم بلسانه , وينتظر بعد ذلك ما يأمر به , وأن لا يمشي أمامه ولا يساويه في مشي إلا بليل مظلم ليكون مشيه أمامه صونا له من مصادفة ضرر ... وأن يرى كل بركة حصلت له من بركات الدنيا والآخرة فببركته ... وأن يصبر على جفوته وإعراضه عنه , ولا يقول: لم فعل بفلان كذا ولم يفعل بي كذا , وإلا لم يكن مسلما له قيادة: إذ من أعظم الشروط تسليم قيادة له ظاهرا وباطنا ... وأن يجعل كلامه على ظاهره فيمتثله إلا القرينة صارفة عن إردادة الظاهر , فإذا قال له: اقرأ كذا , أو صلّ كذا , أو صم كذا وجب عليه المبادرة , وكذا إذا قال له وهو صائم: أفطر وجب عليه الفطر , أو قال: لا تصلّ كذا إلى غير ذلك ... وأن لا يدخل عليه في خلوة إلا بإذنه , وأن لا يرفع الستارة التي فيها الشيخ إلا بإذنه وإلا هلك كما وقع لكثير).
فلنرجع إلى موضوعنا ونقول: إن القوم يجعلون متصوفيهم معصومين حيث لا يجيزون الاعتراض عليهم , ويقولون:
¥