(5) و كان من شر ما تواطأ القوم عليه في هذا المسجد أن خرجوا تباعا، و حملوا عداوة لي في صدورهم ما كانوا ليستطيعوا أن يمنعوا كتمانها، و نسوا معها أن هذا المسجد؛ هو المنزل الذي تعلموا فيه الهدى و الايمان و المودة و السنة و الاحسان، و أصابوا فيه من أنماط المعرفة _ من فضل الله جميعهم _ ما صاروا به في كل ما يفعلون منها و يدعون؛ مثار اعجاب الناس، فكان الرد العملي تلك الاساءة، بل تلكم الاساءات التى عجت بها المساجد و الاحياء، و تنادى بها الأحياء، و لا أغلوا اذا قلت: بل الاموات، و نسي هؤلاء ما كان مني اليهم، حتى لكأني كنت أرى الغض من احساني اليهم أحيانا اساءات متواترة عليهم.
(6) و لست و الذي انزل على محمد _ مبرءا نفسي، فلؤبما كانت مني اساءة على غير انتظار أو تذكر، ضلت الطريق، فأصابت من حواشي ثياب القوم القصيرة البالغة أنصاف السيقان، أو ثنيات سراويلهم الثمينة الفضفاضة و الضيقه، القصيرة و الطويلة، في عشية أو في ضحى، ثم تلاشت، و تفتت وذابت، بيد أن القوم مشوا من ورائها، يلتقطون جذاذات لا تكاد ترى منها، يجمعونها، و يؤلفون بينها، فيجعلون منها اساءة تملأ الآفاق، طمسوا بها كل ظاهر جلي، أو مستور خفي؛ من احسان كان مني على طول عقود في صحبتي البارة لهم.
و اني سائل نفسي: هل كانت تلكم الاساءات _ لو كانت مني _ تعدل في حجمها، أحجام تلكم الاساءات التى تآلفت، و تتابعت، و تزاوجت، و شاعت سيرتها في دنيا الناس، بكل ألوانها و صنوفها، و أحجامها، و بكل ما حوت من صدق، و كذب، يمجدون بها الشيطان، و يقولون له،: انا لمدينون لك بالفضل، و بما أنعمت علينا منها، و لسوف نبقى أوفياء لك حتى نتوسد التراب.
ألا غفر الله لهم، و أعاد اليهم ما أضاعوا من أنفس عملهم! و انا لله و انا اليه راجعون.
(7) ثم اني بصرت بما كان بيني و بينك من حبل مودة ظل موصولا سنين عددا، ثم عمدت اليه فقطعته، و القيت به أرضا، غير آسف على ماض ندي بمحاسنه و لطائفه، و مستقبل ترضى أتياته برغائبه و أشولقه، و رآه الحالمة، فقلت في نفسي: ان عرضت لي شفاعة تكون أنت طرفا فيها، بل أنت قوادمها و خوافيها، بعد ما كان منكم ما كان، و قد بدت منكم العداوة _ و لعل شيئا منها لا يكون خافيا _؛ فبماذا أصفك و اخاطبك من أنواع الأوصاف و الخطابات، و قد كان أحسن ما عندي من وصف و خطاب، أن أقول: أخي (أبا فلان) بالكنية التي لا تكلف فيها، و لا تحرج، تعلمنا ذلك من أدب النبوة، فقلت: أدع ذلك لتلك الأوصاف و الخطابات نفسها، فالأسبق الى الفضل يكون هو الاسبق اليه.
(8) بيد أني عدت اليها أسائلها: و هل تصلح أن تكون لي شفاعة عند من كان بيني و بينه هذا الانقطاع المديد؛ من غير اساءة كانت مني نحوه؟! و هل يكون عنده رغبة في ثوابها؟! .... فكان جوابي: ما ينبغى أن تكون العداوة التى تنشأ منها قطيعة و بغضاء مانعة من مثل ما أنا بصدده و ساع نحوه من شفاعة، اصيب أجرا، لا يكون من عمل غيرها، فان كان مني عدول عنها لمثل هذا فهي الحماقة بعينها، التى أوثر بها الزهد في ثواب عمل صالح، أنا أحوج ما أكون اليه، و معلوم في دنيا العقلاء أن الحب ليس شرطا في السعي بالشفاعة بين الناس، و بخاصة ان عملوا فضلها و ثوابها، من مثل قوله عليه السلام: (اشفعوا تؤجروا).
(9) من هنا، فان هذه الرسالة التى أبعث بها اليكم مع واحد ممن كانوا على مثل ما أنتم عليه _و آخرون غيركم _ من شمر نفس، و كدورة صدر، و شرود صفو، أسأل الله سبحانه أن يذهب عنا جميعا ما ألم بنا، راجيا أن يكافئ كل من ينابه الجفاء بقصد جاهد عن موطن الصفاء، و أن يعجل بزهوق الريب عن مظانها الواجفة.
و تأتي شفاعتي هذه في أمر تملكون انفاذه أو رده، و آثرت أن يكون صاحب الشأن هو الذي يعرض عليكم أمره، فان وفقت الى قضائه، فذاك توفيق الله لك، و ما يحبه لك من خير، و الا فأنت الأدرى بما يصلح عليه أمرك لدنياك و آخرتك، و جزاك الله خيرا، و مدانا جميعا سبيل الخير و الرشاد، و أسبغ علينا نعمه ظاهرة و باطنه، انه سميع قريب مجيب، و الله الهادي الحق و الصواب.
و لا بد لنا من أن ستذكر جميعا أن من بعد هذه الحياة موتا؛ يؤوي العبد من بعده قيرا، لا يضاجعه فيه الا عمله، و هو ميراثه الذي يبعث به للمثول أمام ربه سبحانه، يعرضه عليه كله (فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره، و من يعمل مثقال ذرة شرا يره).
و السلام علينا و عليكم و على الصالحين المتقين من عباده، و اسلموا ..
محمد ابراهيم شقرة
السابع من ذي القعده 1426
الثامن و العشرين من تشرين الثاني 2006
و نقله عن الأصل
محمود غنام العقابي
ـ[محمد بن عبد الله سيدي نائل]ــــــــ[07 - 02 - 07, 07:54 ص]ـ
بارك الله فيك,,