ومن ناحية صلة الحقيقة المحمدية بالإنسان , يعتبرها ابن عربي صورة كاملة للإنسان الكامل الذي يجمع في نفسه جميع حقائق الوجود , ولذلك يسميها آدم الحقيقي , والحقيقة الإنسانية. ويعدها من الناحية الصوفية مصدر العلم الباطن , ومنبعه , وقطب الأقطاب.
في هذا الوصف الإجمالي لما يسميه ابن عربي (الكلمة المحمدية) , أو الحقيقة المحمدية , عناصر مختلفة مستمدة من الفلسفة الأفلاطونية الحديثة , والفلسفة المسيحية واليهودية , مضافاً إلى ذلك بعض أفكار من مذهب الإسماعيلية الباطنية والقرامطة. مزج جميع تلك العناصر على طريقته الخاصة , فضيع بذلك معالم الأصول التي أخذ عنها , وخرج على العالم بنظرية في طبيعة الحقيقة المحمدية , لا تقل في خطرها وأهميتها في تاريخ الأديان عن النظريات التي وضعها المسيحيون في طبيعة المسيح , أو النظريات اليهودية أو الرواقية , أو اليونانية التي تأثرت بها في النظرية المسيحية).
وبمثل ذلك قال الفرغاني:
(وكل نبي من آدم عليه السلام إلى محمد صلى الله عليه وسلم مظهر من مظاهر نبوة الروح الأعظم. فنبوته ذاتية دائمة , ونبوة المظاهر عرضية منصرمة , إلا نبوة محمد صلى الله عليه وسلم , فإنها دائمة غير منصرمة , إذ حقيقته حقيقة الروح الأعظم , وصورته صورة الحقيقة التي ظهر فيها بجميع أسمائها وصفاتها. وسائر الأنبياء مظاهرها ببعض الأسماء والصفات. تجلت في المظهر المحمدي بذاتها وجميع صفاتها , وختم به النبوة , فكان الرسول صلى الله عليه وسلم سابقا على جميع الأنبياء من حيث الحقيقة , متأخرا عنهم من حيث الصورة , كما قال: نحن الآخرون السابقون , وقال: كنت نبيا وآدم بين الماء والطين: وفي رواية أخرى: بين الروح والجسد: أي لا روحا ولا جسدا).
ويدل أيضا على إعتقاد الصوفية بالتناسخ ما ذكره الدباغ في الإبريز بأن روح الولي تقدر على أن تخرج من ذات الولي وتتصور بصورة غير صورته.
وأيضا ما ذكره الشعراني عن صوفي أنه (ظهر لأعدائه في هيئة أسد عظيم).
وكذلك ذكر المنوفي في جمهرته صوفيا (كان يظهر في مظهر السباع والفيلة).
فالحاصل أن الصوفية اقتبسوا من الشيعة هذه الأفكار , وأخذوا منهم هذه العقائد الزائفة الزائغة الباطلة , وقالوا عن أوليائهم مثل ذلك , بل زادوا عليهم في غلوائهم وغيّهم وضلالهم , حيث قالوا نقلا عن إبراهيم الدسوقي أنه قال عن نفسه في أبياته:
(أنا ذلك القطب المبارك أمره فإن مدار الكل من حول ذروتي
أنا شمس إشراق العقول ولم أفل ولا غبت إلا عن قلوب عمية
يروني في المرآة وهي صدية وليس يروني بالمرآة الصقيلة
وبي قامت الأنباء في كل أمة بمختلف الآراء والكل أمتي
ولا جامع إلا ولي فيه منبر وفي حضرة المختار فزت ببغيتي
بذاتي تقوم الذات في كل ذروة أجدد فيها حلة بعد حلة
فليلى وهند والرباب وزينب وعلوى وسلمى بعدها وبثينة
عبارات أسماء بغير حقيقة وما لوحوا بالقصد إلا لصورتي
نعم نشأتي في الحب من قبل آدم وسرى في الأكوان من قبل نشأتي
أنا كنت في العلياء مع نور أحمد على الدرة البيضاء في خلويتي
أنا كنت في رؤيا الذبيح فداءه بلطف عنايات وعين حقيقة
أنا كنت مع إدريس لما أتى العلا وأسكن الفردوس أنعم بقعة
أنا كنت مع عيسى على المهد ناطقا وأعطيت داودا حلاوة نغمة
أنا كنت مع نوح بما شهد الورى بحارا وطوفانا على كف قدرة
أنا القطب شيخ الوقت في كل حالة أنا العبد إبراهيم شيخ الطريقة).
ورووا عن أحد المتصوفة البارزين أنه كان يقول:
(أنا موسى الكليم في مناجاته , أنا عليّ في حملاته , أنا كل وليّ في الأرض خلقته بيدي , ألبس منهم من شئت , أنا في السماء شاهدت ربي , وعلى الكرسي خاطبته , أنا بيدي أبواب النار إن أغلقتها أغلقها بيدي , وبيدي جنة الفردوس إن فتحتها أفتحها , ومن زارني أدخلته جنة الفردوس).
وقال فتح الله بوراس:
(أنا كل ولي في الأرض قد أوليته أنا كل حكيم من أهل السماء قد علمته
وأيوب من جميع الأمراض قد أشفيه وبصر يعقوب أنا الذي قد رددته
وابنه يوسف من الجبّ الغريق قد أظهرته ويونس من بطن الحوت بالعراء قد نبذته
ونوح من بحر الطوفان أنا الذي أنجيته وفي السماء السابعة شاهدت ربيّ وكلّمته
وبيدي باب الجنان قد فتحته ودخلته وما فيه من الحور العين قد رأيته وحصيته
¥